سعد الحامد

هل ستتغير المعادلة السياسية القادمة مع نظام لا يُقيم وزنًا لأي قوانين أو أعراف دولية، أو مبادئ حسن جوار، منطلقًا من بُعده الأيديولوجي، في ظل صمت مجتمع دولي لا يتحرك إلا وفق مصالحه وأهوائه الذاتية، فكيف يمكن التعامل مع هذا النظام، وهل دول الخليج بحاجة لمواجهة صريحة ومباشرة، سواء الآن أو مستقبلًا مع هذا النظام؛ لقطع أذرعه التي باتت دويلات داخل دولنا العربية، وازداد تضخّمها لخدمة مصالح طهران في المنطقة بدعم من طهران؛ لتعيق مسيرة التنمية في دولنا العربية، وتختطف مستقبل وحاضر تلك الدول، وتعبث بأمنها واستقرارها، وتقوّض السلم والأمن في المنطقة لها؟!

باعتقادي أن طريقة التعامل مع هذا النظام لابد أن تنطلق من إستراتيجيتين تتماهيان مع واقعية الأحداث على الأرض، وهي وجود منظومة فاعلة متكاملة موحدة أمنية دفاعية سياسية خليجية، وأعتقد أن دول مجلس التعاون وعت ذلك من خلال آخر قمة خليجية دعا فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للتكامل بين دول الخليج، وبدأت دول الخليج بشكل جاد لذلك، واتخاذ خطوات عديدة لتحقيق ذلك، ولكن تلك المنظومة الخليجية لابد أن تتوافق أيضًا مع رؤية عربية مشتركة لواقع الخطر الإيراني على أمن الخليج العربي المشترك، والهوية العربية، وإرثنا الأخلاقي، فتوسع أطماع هذا النظام حتى خارج منطقتنا، سواء في أفريقيا ودول أوروبا وأمريكا من خلال ترسانة الصواريخ طويلة الأمد، والبرنامج النووي الذي أضحي أزمة عالمية، ومفاوضات فيينا دليل على ذلك، خصوصًا أن امتلاك هذا النظام سلاحًا نوويًا سوف يُنذر بنظام كوري شمالي آخر في منطقتنا؛ بسبب غطرسة هذا النظام وأطماعه التوسعية. والسيناريو الثاني المهم من وجهة نظري للتعامل مع هذا النظام هو الانطلاق من داخل البيئة الإيرانية بما تعانيه من مشكلات متشابكة على النواحي الاقتصادية، وصراع الأجنحة داخل حزب المحافظين، وصدام الأقليات داخل البلد؛ نتيجة لتنوعها، وكذلك مشكلة بلوشستان؛ مما يدعم أهمية التحرك على الجبهات الداخلية في مواجهة هذا النظام، ونقل الصراع إلى داخل هذا النظام نفسه، فالعديد من التجارب الدولية لإسقاط أنظمة مشابهة لهذا النظام ارتبطت بشكل مباشر بمتغيّرات داخلية تمس المواطن، كالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ومستوى المعيشة والرفاهية؛ مما يمثل هاجسًا لأي نظام شبيه بهذا النظام، ولا ننسى تأثيرات جائحة كورونا اقتصاديًا على طهران، وتزامنها مع العقوبات الاقتصادية، وسياسة الضغط القصوى التي مارسها دونالد ترامب على هذا النظام، وكيف أثر على اقتصاد طهران، وعلى سياسته الخارجية، وسلوكه المثير للعداوات.

وبنظرة سريعة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والنفسي داخل هذا البلد ستتضح الصورة بشكل أعمق، فمثلا عدد حالات الانتحار من مواطنين، والتي زادت بنسبة 4% وفق صحيفة اعتماد الإيرانية، وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وهروب رؤوس الأموال ووصلت إلى 30 مليارًا، ونتج عنه طرد المستثمرين الأجانب، وتراجع العملة الإيرانية إلى أقل من 50% من قيمتها منذ عام 2018، فنسبة البطالة ارتفعت إلى 10% وكذلك 40 مليون شخص، وفق تصريح رئيس لجنة الموازنة البرلمانية الإيراني بحاجة إلى مساعدات عاجلة، كذلك ارتفاع نسبة الجريمة، وهو بُعد آخر، وذلك يفسر الرغبة الملحّة لهذا النظام برفع العقوبات بشتى الطرق في محادثات فيينا، والهروب من العقوبات الاقتصادية التي يرزح تحتها، والتي قد تطيح به أمام معارضيه ومواطنيه، وبالتالي من الموضوعية أن يكون هناك ضغط أكبر على المجتمع الدولي لعدم رفع كل العقوبات، وإطالة أمدها بشكل يرهق أكثر هذا النظام، ويسرع من مواجهته مع الشارع الإيراني، وبالتالي زواله، وباعتقادي أن هذا النظام أثبت أنه لن يستطيع أن يتخلى عن نهجه المزعزع لدول محيطه الإقليمي، وكذلك عقيدته الفكرية الثورية التي تنطلق من العبثية والفوضوية؛ بهدف تقسيم الدول وتحويلها لميليشيات مسلحة ولائية تستحل دماء الأبرياء، وتعطل تنمية بلدانهم وتسلب مقدراتهم.

@SaadAlH59134802