عبدالله الغنام

لعلنا نلاحظ كثرة تنوع الشواحن الكهربائية لعدة أجهزة تقنية وذكية نحن نستخدمها بشكل يومي. والتي أصبحت جزءا ضروريا من الحياة المدنية المعقدة التي نعيش. ولكن على الصعيد الآخر ألا نحتاج نحن البشر إلى الشواحن أيضا؟!

في الواقع أن الإنسان يحتاج وبشكل متوازن وروتيني إلى الشحن والشحذ، ولكن بشكل مختلف عن الأجهزة! فمهما بلغ الإنسان من منزلة أو علم أو منصب تمر عليه فترات يشعر أن طاقته (سواء الجسدية أو العقلية أو الروحية) ليست في أعلى مستواها، بل ربما هي تمر بمرحلة ضعف أو شدة في الانخفاض كما هو الحال مع بطاريات الأجهزة!

وشواحن الإنسان متنوعة، منها الشحن الذهني والعقلي، وهذا ينمو ويزداد بالمعرفة والتعلم من خلال الدراسة والبحث والقراءة. وهي عملية مستمرة لا تتوقف بعمر معين. ويروى أن أحدهم قال معاتبا ومستغربا (حين رأى الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- يحمل أوراقا ومحبرة ويسعى في طلب العلم مع كبر سنه وإمامته في العلم): يا أبا عبدالله، أنت قد بلغت هذا المبلغ ومعك المحبرة تحملها، فرد عليه الإمام بكلمته المشهورة: «مع المحبرة إلى المقبرة».

وتنمية العقل تكون بالتخصص في مجال محدد وبالإضافة إلى الثقافة العامة. فإذا كنت تريد أن تكون مثقفا فإنك تقرأ القليل من كل باب وعلم. ولكن مشكلة الثقافة العامة أنك لا تستطيع أن تتكلم بعمق في تخصص معين.

وأما القاعدة في التخصص فإنك تقرأ (80 %) في مجالك، و(20 %) في مجالات أخرى غير تخصصك من أجل تحصيل ثقافة عامة. والسبب وراء ذلك حتى لا تكون معزولا عن العالم فكريا وثقافيا وتعرف ماذا يحدث من حولك! والعالم ابن حزم -رحمه الله- قال: «لو لم يكن في العلم إلا دفع ألم الجهل لكفى». والشكل الآخر من الشحن هو الشحن الجسدي إذ إنه لا بد للجسم من أخذ حظه من الحركة والرياضة، وكل بحسب عمره وميوله وموهبته. والفيلسوف الألماني الشهير (ايمانويل كانت) كان يتريض مشيا كل يوم في نفس الوقت ولا يترك هذه العادة أبدا، حتى أنك تستطيع أن تضبط ساعتك على وقت خروجه لرياضة المشي. ويضاف إلى ذلك الأكل الصحي، فهو بلا ريب جزء مهم من الاعتناء بالجسم. ولا يعني هذا حرمان النفس من الطيبات، ولكن الأصل أن الغذاء الصحي هو العادة اليومية المتبعة (وقد نسكرها أحيانا وليس دائما!!). وعموما هو كما قال طبيب العرب الحارث بن كلدة: الحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء. وجاء في الحديث النبوي الشريف: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». ومن هنا نعي أن المعدة جهاز يحتاج إلى الراحة! فلعل راحتها تكون في الصوم.

والعنصر الثالث هو الشحن الروحي، فمهما غذيت (العقل) بالمعرفة والعلم أو كنت صحيا وغذيت (الجسم) فلن يصمدا (العقل والجسم) أبدا أمام الخواء الروحي. وهذا الشاحن بالذات له مفعول عجيب على الإنسان حيث يمده بالطاقة المعنوية والراحة معا. وقد قال الكاتب أحمد أمين -رحمه الله-: «الأنس بالدين طبيعة النفس وراحة الروح فإذا سلبت من تأنس به أحسست بالوحشة وتململت من الفراق». أي معيشة ضنكا فلا انشراح للصدر.

ويمكننا أن نقوم بعمليتي (2) شحن في وقت واحد! فقد ذكر عن العلامة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أنه كان يقرأ القرآن أثناء مشيه من البيت إلى المسجد ولا يكلم أحدا، فتلك رياضة للجسم والروح في آن واحد.

إذن كلما شحنت هاتفك الذكي تذكر أن جسمك وعقلك وروحك يحتاجون إلى شحن أيضا!

abdullaghannam@