د. موسى آل هجاد الزهراني

عاتبني صديق عزيز بسبب مقالي السابق، قال: مقالك كئيب! قلت: اسمع هذه الحكاية إذن!.

جمعنا مجلس طيب، في مدينة الخبر الساحرة، فيه جمع من الأخيار، معظمهم شعراء، أصحاب مبادئ وشهامة، ودار الحديث حول المبادئ والشهامة، ولم يخل من شعر الحكمة والرجولة الحقة. ووصلنا إلى صدق التعامل مع الله، والكرامات التي يكرم الله بها بعض عباده، توقف أحدهم، وهو شاعر مشهور، عرف بصدق مواقفه، وجزالة شعره، فقص علينا قصة وقعت له، قال: قبل سنوات، في الدمام، في ظهيرة أحد أيام الصيف، كنت أريد الذهاب لصلاة الظهر في مسجد الحي، فإذا رجل كبير في السن، يرتدي قميصا، و(كرافتة)، ويبدو عليه الثراء، لكنه كان يمشي في حالة إعياء، وقد غطى الماء صدره، حتى ظننت أنه من الذين يوسوسون في الوضوء. أوقفت سيارتي، فركب معي، فسألته إن كان يريد إيصاله إلى المسجد، فكان يتكلم بصعوبة، وقال: نعم، لكني جئت من (الثقبة) مشيا على قدمي، ولم أذق طعاما منذ ثلاثة أيام. فتعجبت جدا، وحاولت أن أستوعب هيئته، وحالته التي هو عليها الآن، وعلمت أنه من (جنسية عربية)، وهو مقاول كبير، تحت كفالة رجل، لا يخاف الله، وقد سلبه كل حقوقه. أحزنني عندما قال: ليت من يقرضني 200 ريال، حتى أستطيع أن أسد بها جوعي، وأعلم أن الله تعالى سيرزقني، فأقضيه دينه.

وقفت عند المسجد، وأخرجت محفظتي وأعطيته ما فيها كله، وكان مبلغا كبيرا، والله لا أملك في جيبي، ولا بيتي ولا البنك سواه. ذهل الرجل جدا، وحاول أن يمتنع عن قبوله لولا عضة الجوع والحاجة، وما أقساها على كرماء الناس. قبلها بخجل شديد أثر في وجنتيه في شدة الحر، ورفع يديه، ودعا لي بدعاء عجيب، اقشعر منه جلدي، ودموعه تتساقط على خديه. قال لي: سأصلي معكم في هذا المسجد متى ما رزقني الله هذا المال كي أقضيك دينك، فإن لم أجدك سأعطيه إمام المسجد. سألني عن اسمي، فلم أخبره. وقلت: والله لا آخذ منك شيئا، وهذا هدية لك. نزل للصلاة وهو يردد دعاء لم أتبينه.

ذهبت لكي أجد موقفا لسيارتي، فلما نزلت وقبل أن أصل إلى المسجد، سمعت نغمة رسالة نصية، في هاتفي، فتحتها، فإذا هي: تم إيداع مبلغ 60 ألف ريال!. أشغلتني جدا، ولا أعلم أني أطلب أحدا هذا المبلغ. صليت وخرجت سريعا، مداراة لخاطر صاحبي ذاك أن يراني فيحرج، وكي أتأكد من البنك. بعد أن اتصلت، قال لي موظف البنك: هذا إيداع من مؤسسة فلان. عرفته، فهاتفته، فضحك، وقال: لعلك اتصلت حتى تسأل عن هذا المبلغ؟. قلت: نعم. فقال: عندي موظف يعمل بالحسابات، ربما لم يعمل خيرا إلا هذه المرة!. وطلبت منه تحويل هذا المبلغ لفلان فالتبس عليه الاسم، ولأن رقم حسابك مربوط برقم هاتفك فقد حصل عليه بسهولة، وجاءك المبلغ!. قلت: إذن أرسل لي رقم حسابكم حتى أعيده. فقال: والله الذي لا إله غيره لن تعيده، ولن أقبله، وهذا هدية مني لك، فقد حضرت لنا حفلات كثيرة، ولم نتجمل معك كما ينبغي. حاولت أن أثنيه عن هذا الحلف فلم أفلح. فشكرته وأنا أعلم علم اليقين، أن الذي أودعها في حسابي هو الله عز وجل!.

mhajjad@gmail.com