تذكرت سعيد ودراوقو، الطالب الذي كان يدرس العلوم الإدارية واللغة العربية في جامعة الملك عبدالعزيز، وأنا أتابع أخبار استيلاء ضباط من الجيش في جمهورية بوركينا فاسو على السلطة، في انقلاب عسكري اعتقل على إثره رئيس البلاد، وحل البرلمان وسرحت الحكومة. أفريقيا والانقلابات العسكرية أصبحا صنوان، وكنت أعتقد أن موضة الانقلابات العسكرية كظاهرة في السياسة في بلدان العالم الثالث قد انتهت، ولكن يبدو أن الدول الصغيرة والفقيرة لا تمل من تكرار نفس الأخطاء، وتدمن العودة إلى الوراء.
هذا الخبر ذكرني بالطالب سعيد، الذي كان يتقاسم معنا ونحن مجموعة من الطلبة السعوديين، ثلاث غرف متقابلة بمنافعها في الإسكان الجامعي، وللتوضيح حول طبيعة السكن جرت العادة أن تكون الغرف ثلاث بمساحات متفاوتة، حيث تأتي اثنتان بمقاس معقول يقدر بخمسة أمتار في أربعة أمتار، وهذه تتسع لثلاثة طلاب، والغرف الأقل يكتفى فيها بطالبين وتكون ضيقة في الغالب.
سعيد أرسلته إدارة السكن لكي يقيم مع زميل لنا في الغرفة الصغيرة، قضى بعض الوقت بمفرده، ولكن الظروف جلبت له سعيد لكي يقاسمه الغرفة الصغيرة، في الأيام الأولى لقدوم سعيد توصلنا لطريقة للتفاهم معه بأن يتحدث أحدنا معه باللغة الفصحى التي لا يعرف سواها، وينقل له ما يقوله بقية الزملاء باللهجة المحلية، الشاب الذي حل سعيد عليه ضيفاً فكر في حيلة تجعل سعيد يرحل إلى مكان آخر، حيث كان يتمرن كل يوم على آلة العود التي يعشقها، وسعيد يكون منهمكاً في القراءة إما باللغة العربية أو بالفرنسية. سعيد أخبر زميله الذي يقاسمه الغرفة الصغيرة أنه سكن خلال الأعوام الستة الماضية مع عدد كبير من الطلبة السعوديين، أو اقنع إدارة السكن بتخصيص غرفة منفردة له، لأنه كرجل أفريقي لا يتخلى عن بعض العادات الأفريقية الصميمة، التي في ثقافتهم من يتخلى عنها تنتفي عنه صفة الفارس، أو المحارب، ومن تلك الصفات دهان كامل الجسد كل مساء بتركيبة من الزيوت التي تعطي مع تراكمها على الملابس والأثاث رائحة خانقة، لمن لم يعتد عليها. ومن عاداتهم أيضا النوم بأقل قطع من الملابس، والابتعاد عن تعريض الجسم للتكييف الصادر عن الأجهزة الكهربائية حيث يترك الغرفة تحتفظ بشيء من البرودة ثم يطفئ جهاز التكييف في جو جدة الرطب، الحار. وينخرط في نوم عميق، نادراً ما يتوقف عن الشخير الذي يسمعه من في الغرف المجاورة إذا أوى إلى فراشه في وقت مبكر.
زميل سعيد في الغرفة أدرك أن سعيد جاء ليبقى، فرحل من الغرفة ومن الشقة ومن الطابق كله، وحرمنا من نغمات العود التي تتسلل إلينا أحياناً عندما يكون له مزاج، ويكون قد أعد براد الشاي، ودوزن أوتار العود وراح يتذكر أغاني عبادي الجوهر التي كانت رائجة في تلك الفترة.
سعيد كان أحيانا يتناول معنا وجبات العشاء، وكان يجلس على الأرض ويأخذ كمية من الأرز إلى جانبه ويختار قطعة من اللحم أو الدجاج، ويبدأ يأكل معنا على نفس السفرة، ولكن مما أمامه من طعام. سعيد كان دائما يبدي امتنانا للمملكة العربية السعودية التي تعلم فيها اللغة العربية، كما تعلم الإدارة، وكان يقول سأعود إلى بلدي سياسيا كبيرا أو وزيرا مهما. وانتهت أيام الدراسة ولم نعد نعرف كيف سارت الأمور بسعيد ولا ببلاده.
salemalyami @
هذا الخبر ذكرني بالطالب سعيد، الذي كان يتقاسم معنا ونحن مجموعة من الطلبة السعوديين، ثلاث غرف متقابلة بمنافعها في الإسكان الجامعي، وللتوضيح حول طبيعة السكن جرت العادة أن تكون الغرف ثلاث بمساحات متفاوتة، حيث تأتي اثنتان بمقاس معقول يقدر بخمسة أمتار في أربعة أمتار، وهذه تتسع لثلاثة طلاب، والغرف الأقل يكتفى فيها بطالبين وتكون ضيقة في الغالب.
سعيد أرسلته إدارة السكن لكي يقيم مع زميل لنا في الغرفة الصغيرة، قضى بعض الوقت بمفرده، ولكن الظروف جلبت له سعيد لكي يقاسمه الغرفة الصغيرة، في الأيام الأولى لقدوم سعيد توصلنا لطريقة للتفاهم معه بأن يتحدث أحدنا معه باللغة الفصحى التي لا يعرف سواها، وينقل له ما يقوله بقية الزملاء باللهجة المحلية، الشاب الذي حل سعيد عليه ضيفاً فكر في حيلة تجعل سعيد يرحل إلى مكان آخر، حيث كان يتمرن كل يوم على آلة العود التي يعشقها، وسعيد يكون منهمكاً في القراءة إما باللغة العربية أو بالفرنسية. سعيد أخبر زميله الذي يقاسمه الغرفة الصغيرة أنه سكن خلال الأعوام الستة الماضية مع عدد كبير من الطلبة السعوديين، أو اقنع إدارة السكن بتخصيص غرفة منفردة له، لأنه كرجل أفريقي لا يتخلى عن بعض العادات الأفريقية الصميمة، التي في ثقافتهم من يتخلى عنها تنتفي عنه صفة الفارس، أو المحارب، ومن تلك الصفات دهان كامل الجسد كل مساء بتركيبة من الزيوت التي تعطي مع تراكمها على الملابس والأثاث رائحة خانقة، لمن لم يعتد عليها. ومن عاداتهم أيضا النوم بأقل قطع من الملابس، والابتعاد عن تعريض الجسم للتكييف الصادر عن الأجهزة الكهربائية حيث يترك الغرفة تحتفظ بشيء من البرودة ثم يطفئ جهاز التكييف في جو جدة الرطب، الحار. وينخرط في نوم عميق، نادراً ما يتوقف عن الشخير الذي يسمعه من في الغرف المجاورة إذا أوى إلى فراشه في وقت مبكر.
زميل سعيد في الغرفة أدرك أن سعيد جاء ليبقى، فرحل من الغرفة ومن الشقة ومن الطابق كله، وحرمنا من نغمات العود التي تتسلل إلينا أحياناً عندما يكون له مزاج، ويكون قد أعد براد الشاي، ودوزن أوتار العود وراح يتذكر أغاني عبادي الجوهر التي كانت رائجة في تلك الفترة.
سعيد كان أحيانا يتناول معنا وجبات العشاء، وكان يجلس على الأرض ويأخذ كمية من الأرز إلى جانبه ويختار قطعة من اللحم أو الدجاج، ويبدأ يأكل معنا على نفس السفرة، ولكن مما أمامه من طعام. سعيد كان دائما يبدي امتنانا للمملكة العربية السعودية التي تعلم فيها اللغة العربية، كما تعلم الإدارة، وكان يقول سأعود إلى بلدي سياسيا كبيرا أو وزيرا مهما. وانتهت أيام الدراسة ولم نعد نعرف كيف سارت الأمور بسعيد ولا ببلاده.
salemalyami @