د. أحمد عبدالله الكويتي

ُيُعدُّ البحث العلمي من أهم أسباب نهضة وتقدّم الدول، وعلى قدر اهتمام الدول بالبحث العلمي يكون تفوقها وقوتها الاقتصادية، ويتضح ذلك بشكل كبير في الدول المتقدمة، فما تقدمت إلا لاهتمامها بالبحث العلمي، ودراسة أهم الأسباب التي تعمل على تجويد العملية البحثية؛ لأن ذلك يساهم بشكل أساسي في نهضة وتقدّم الشعوب.

وإذا قمنا بعمل استقصاء سريع نجد أن الدول المتقدمة في سباق مع الزمن في مضمار نشر الأبحاث العلمية، فهذه الصين استطاعت في فترة قصيرة أن تحقق تفوقًا علميًا ملموسًا في مجال الأبحاث العلمية، متفوقة في ذلك على الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت تتربع على عرش الصدارة من حيث الإنتاج العلمي.

وبمقارنة بسيطة وبتحليل الأرقام التي أعلنتها المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم (NSF)، نجد أنه في عام 2008م، كانت الولايات المتحدة الأولى بـ394.979 مادة منشورة في مجال العلوم والهندسة. في حين كانت الصين وقتها عند حدود 249.049 منشورًا علميًا. أما الآن فنجد أن الصين قد احتلت الصدارة في عام 2018م، بإنتاجها نحو 528.263 مادة ومقالة علمية، واستطاعت أن تسحب البساط من تحت أقدام أمريكا.

إن النمو في الصين وحدها كان لافتًا جدًا، بحيث بلغ ضعف المعدل العالمي، ثم تأتي الهند الثالثة عالميًا وألمانيا في المرتبة الرابعة.

وهذا ما يفسّر لنا قوة هذه الشعوب، وكيف يمكن للأبحاث العلمية أن تؤثر على تنمية ورفعة المجتمعات ونهوضها، ونقلها من الضعف إلى القوة، ومن التخلف إلى التقدم، ومن الفشل إلى النجاح.

أما على مستوى الدول العربية فإننا إذا نظرنا إلى مملكتنا الحبيبة نجد أن نتائج مؤشر «نيتشر» للفترة من 2019-2021 أظهر تقدّم السعودية بشكل كبير في البحث العلمي، حيث أسهمت المملكة بنسبة 27% من إجمالي حصة البحث العلمي في العالم العربي.

فالبحث العلمي والنشر خطيا خطوات كبيرة، فوفقًا لوزارة التعليم في عام 2020م بلغ مجموع الأبحاث المنشورة للجامعات السعودية الحكومية 33.588 بزيادة بلغت 120% مقارنة بما نُشر في العام 2019م. والإنفاق على البحث العلمي وتنوّع المراكز البحثية يزداد في كل سنة عن السنة التي تسبقها، وهذا إن دل فإنما يدل على الاهتمام بالبحوث العلمية بشكل يبعث على الفرحة ويدخل الغبطة على النفوس بشكل يزيد فخر المواطن بما حققته المملكة من تقدم ملموس.

وفي حقيقة الأمر أن ما حدث لم يكن ليحدث لولا الجهود المبذولة لدعم البحوث والتشجيع على النشر والمبادرة إليها وفق رؤية 2030.

والأبحاث العلمية الجيدة هي الأبحاث التي لها القدرة على دراسة واقع الشعوب التي تعاني من التغيرات والتقلبات بشكل مستمر.

فالبحث العلمي ما هو إلا نشاط فكري منظم يقوم به شخص يُطلق عليه الباحث من أجل دراسة مشكلة معينة تسمى (مشكلة البحث) تعالج باتباع طريقة علمية منظمة تسمى منهج البحث، بغية الوصول إلى حلول ملائمة لعلاج المشكلة، ومن ثم الوصول إلى نتائج قابلة للتعميم.

إن البحوث العلمية إذا لم تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة فهي لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، وهذا واقع مشاهَد للأسف الشديد في كثير من الأبحاث التي لا تقدّم حلولًا لمسائل طرحتها، بل على العكس تمامًا نجدها تحتوي على الكثير من الأخطاء والتكرار والتقليد الذي لا فائدة من ورائه سوى حشو الصفحات بكلمات لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

لا بد من الارتقاء بمستوى الأبحاث العلمية إذا أردنا النهضة والتقدم حتى نصبح في مصاف الدول المتقدمة.

إننا في حاجة حقيقية إلى الإبداع، وذلك أن الإبداع هو الذي يؤدي إلى نهضة حقيقية في جميع مجالات الحياة من صناعة وزراعة وغيرها من المجالات، وبصفة خاصة الأبحاث المتعلقة بتطبيقات نظم ضمان الجودة والتميز.

لذا تحرص الدول المتقدمة على جودة البحث العلمي؛ لما للعلم من قدرة على حل مشكلات الجوع والفقر والمرض والجهل، وبه يتم تسهيل حياة الإنسان.

وخلاصة القول: نستطيع القول إن البحث العلمي الجيد هو ذلك البحث الذي يستند على مجموعة من المعايير الواضحة، ومعايير جودة البحث العلمي هي عبارة عن مجموعة من الضوابط التي تستهدف جودة البحث العلمي، والتي يمكن إبراز أهمها في كل من الغاية من البحث وتحديد ميدان المشكلة تحديدًا دقيقًا تظهر منه حدود الموضوع وأبعاده.

@Ahmedkuwaiti