د. لمياء عبدالمحسن البراهيم

مشاهير التواصل الاجتماعي هم مواطنون ومقيمون لهم حقوقهم وعليهم التزامات، ولا ينبغي أن يعمم التهجم على المشاهير بسبب استفزاز البعض منهم بما يقدمه بحثا عن زيادة المشاهدات والمتابعات ليرفع قيمته السوقية في الإعلانات.

الدولة بأجهزتها هي من تحكم وتقرر عملهم ومخالفاتهم وفق النظام، واختلافنا مع بعضهم وأساليبهم أو مخالفاتهم لا ينبغي أن يجعلنا نظلم المحسنين منهم وتأثيرهم الإيجابي وتحفيزهم وتشجيعهم واحتواءهم..

ولا يخفى القلق الأسري والاجتماعي من انتشار المشاهير بهذه الكيفية والتنافس بينهم في غير المألوف حتى لو عرضهم للخطر والعقوبات القانونية المستوجبة للسجن، لبحثهم عن مكاسب كبيرة وسريعة تستحق هذه المغامرات مقارنة بمكاسب التدرج الطبيعي للمرء بين التعليم والوظيفة أو العمل الحر.

فالإعلانات تحقق عوائد مالية كبيرة والاستعانة بالمشاهير يمنح مكاسب للجهات التي تستعين بهم.

وكثرت الاستفهامات في الآونة الأخيرة حول انتشار أسماء دون غيرها في عالم المؤثرين وسط سيل من التراشقات التي تثير الاحتقان والتحشيد عليهم بشكل عام وبدون تفرقة بين المؤثر ذي المحتوى النافع والمفيد والذي يساهم بمسؤولية مجتمعية، وبين المؤثر الذي انتشر بطرق مشبوهة أو تسويقية استفزازية للشرع والعرف العام كي يفرض نفسه كمعلن مستفيدا من الشهرة لمنافعه الشخصية.

وقد صارت صناعة المشاهير مهنة تتمثل في صناعة الأيقونات (الرموز) من خلال عمليات عدة وعلاقات بالداعمين والمعلنين، لصناعة هذا المشهور كوكالة إعلانية لها مستفيدين منها حتى الموظفون الذين يخدمونهم.

صناعة الأيقونات تقوم على عمليات ممنهجة في كيفية تصنيع وتسويق الرمز أو الأيقونة اجتماعيا، ضمن أساليب تحكم تضمن التبعية الطوعية لهم بإطار مع أو ضد، وعادة ما يستند في صناعة الأيقونات على عوامل عدة بعضها إيجابي منها القبول والحضور، وكثيرا منها سلبي خصوصا عندما يستخدم تجاريا أو سياسيا كقوى ناعمة، عادة يقوم الاختيار على معايير منها على سبيل المثال لا الحصر:

• الشخصية المهزوزة لسهولة التحكم والسيطرة عليهم كما في الأعمار الصغيرة أو الأفراد من بيئة أو أسرة مفككة.

• الشخصية المندفعة والمتهورة نحو حاجاتها وغرائزها بدون تفكير في العواقب.

• من لا لديه شي يخسره، مثل الشخصيات المنبوذة اجتماعيا.

• الشخصيات المضطربة نفسيا وعقليا بدون علاج، مثل الاضطرابات الوجدانية الهستيرية والنرجسية، وداء ثنائي القطبين.

صناعة الرموز مكلفة ولهذا من يتحكم في التمويل هو من يفرض شروطه، فصناعة الرمز لا علاقة لها بالرمز بذاته، وإنما بكيفية استعماله في نسق اجتماعي ونفسي تحول الشخص العادي إلى منتج يحقق مكاسب لمن يعمل على صناعته.

وتنطوي هذه الصناعة على حدين، إيجابي يتمثل بعملية التسويق عبر الاستدلال التعريفي بالمشهور كرمز وذلك بتضخيمه وتعظيمه وجذب الأنظار له. ومن ناحية سلبية فخطر صناعة الرموز هو ما ننتقده اليوم بل وأن سلبيات هذا المشهور تؤثر على ما يتم تسويقه منه فحامل الرسالة بأحيان كثيرة أهم من الرسالة وبالرغم من عدم صوابية ذلك، ولكن فرضية التسويق ترسخ هذه الصلة تجعلها مترابطة بشكل لا يمكن بعده الفصل بينهما.

قد يحقق الرمز أهدافا مستقبلية إضافية لمن تولى صناعته، يتمثل بمزيد من التكسب الأيديولوجي أو المالي عبر نافذة التضحية التي تكون أشدها تأثيرا، وهو ما قد ينذر بطروحات خطرة مستقبلا ما لم يكن هناك ضوابط ورقابة، يسبقهم وعي مجتمعي فالمشهور لم ولن يكون كذلك بدون وجود ممكنات أهمها الجمهور.

DrLalibrahim@