عثمان الأنصاري

لم تكتف الثورة التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي بتيسير أمور حياتنا من تقريب المسافات وشراء البضائع وتبادل الرسائل والاهتمامات، بل تجاوزت ذلك للدخول في مسائل أعمق وأكثر تعقيدا، ولم يدر في ذهن أحدنا يوماً أن تقرأ تعابير وجهه وما تخفيه ملامحه من مشاعر وتفاعلات تجاه الطرف المقابل عبر الشبكة العنكبوتية واسعة النطاق.

إن الرسائل اليومية، التي نتلاقاها ونتشاركها مع الآخر لا تخلو من عبارات تفصح عما يدور بدواخلنا من مشاعر وأحاسيس وغيرها مع الحالة أو الحدث الذي نناقشه، ولم يفت ذلك منتجو ومصممو البرامج والتطبيقات الذكية لتجد أنهم وفروا المئات من الرموز التعبيرية (الإيموجي)، التي تختصر علينا أحياناً كتابة عدد من الأسطر لشرح الحالة المراد إيصالها للطرف الآخر من المحادثة.

وتعد الرموز التعبيرية بوضعها الحالي لغة تخاطب إلكترونية عالمية شهدت ولا تزال تطوراً لافتاً في السنوات الأخيرة، وقد ظهرت الرموز التعبيرية (الإيموجي) لأول مرة في أواخر التسعينيات الميلادية من القرن الماضي في اليابان، حيث أدخلت شركة اتصالات يابانية أول مجموعة رموز تعبيرية للمساعدة في تسهيل التواصل الإلكتروني عبر الرسائل، تهدف نقل المشاعر التي لا يمكن أن تظهر إلا في المحادثات المباشرة وجها لوجه، وذلك في حدود الرسائل النصية، التي لا تتسع سوى لـ 250 حرفا فقط.

لذا يمكننا هنا أن نعرّف اللغة كما عرّفها دي سوسير عالِم اللغة السويسري بقوله: «اللغة نظام من العلامات أو الإشارات للتعبير عن الأفكار»، وبهذا تدخل الرموز التعبيرية ضمن نطاق هذا التعريف وإن كانت متحررة من النظام الصوتي والصرفي والنحوي.

في الوقت نفسه، نرى أن ردة الفعل الشعورية الصادرة عن الرموز التعبيرية «الإيموجي» هي نفسها وكأنها صادرة عن وجه إنسان حقيقي، وقد اعتادت عقولنا على إدراك الرمز، سعيداً كان أو حزيناً، متعاطفا أو مستنكراً، حيث نكتسب القدرة على الشعور بالعاطفة نفسها في الكثير من الأحيان.

وقد باتت اللغة الرقمية المتمثلة في الرموز التعبيرية «الإيموجي» تعطينا قدرة فريدة لإضفاء مسحة إنسانية على الاتصالات الرقمية بقراءة المشاعر وتحقيق أهداف المتحادثين، وها نحن اليوم أمام لغة تخاطب عالمية تحقق المعنى من اللغة وهو التواصل.

بالرجوع لأصل الكتابة الجدير ذكره أن أولى محاولات الإنسان الكتابية هي أيضاً كانت عن طريق الرموز التصويرية كالأحرف الهيروغليفية المصرية القديمة، بالإضافة للكتابة المسمارية، لكن تلك الرموز القديمة احتاجت عدة قرون لكي تترسخ كوسيط للتواصل في ذلك الزمن الغابر، بالمقارنة مع السرعة المذهلة للانتشار الواسع لـ «الإيموجي» وانتظر نظام الكتابة الأبجدية ألفي عام بعد ذلك، ليظهر مع الفينيقيين منذ حوالي 3200 عام، ومن ثم توالت بعد حين، محاولات عديدة من المفكرين والقادة لتشكيل لغة عالمية تكون جسراً للتفاعل بين كل البشر. *يوهانس فريدريش، تاريخ الكتابة - ترجمة سليمان الضاهر.

بسبب كون الرموز التعبيرية «الإيموجي» تحتلُ أهميةً بارزة في تطبيقات الدردشة لدى مستخدميها في جميع أنحاء العالم، فقد جرى تخصيص يوم 17 من شهر يوليو من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للرموز التعبيرية من قبل الأسترالي «جيريمي بورغ»، مؤسس موقع ايموجي بيديا Emojipedia الذي يتتبَّع ويحدِّث تعريفات الرموز التعبيرية، وقد بدأ أوَّل احتفال باليوم العالمي لـ «الإيموجي» في عام 2014، وأُضيئَت بهذه المناسبة العديد من المباني الشهيرة عبر مختلف مدن العالم.

@uthman8899