د. شلاش الضبعان

هل بقي أسرار اليوم؟

عند البعض لا أعتقد، فقد أصبح إنساناً زجاجياً كل ما فيه مكشوف، وهذه مشكلة ولكن المشكلة الأكبر أن البعض الآخر قد تهتز قناعاته ويسير على ما سار عليه، الذين فتحوا كل ما عندهم للآخرين، فالمجالس تبث، وحالات الواتساب تبث، والسناب يبث، والانستجرام يبث، حتى أصبحنا نعرف مخططات بعض البيوت، ونوعية مأكولاتهم، ومَن كبر؟ ومَن تزوج؟ ومَن طلق؟!، والمشكلة الأعم والأطم حين يعترف البعض بما ستره الله عليه حتى لو كان خلف اسم مستعار.

هل هذه ظاهرة صحية؟!

أبداً ليست كذلك، وما يحدث اليوم هو مرحلة عابرة ستنتهي، ويضمحل أصحابها بسبب معاناتهم مع كشف أسرارهم، فالناجح له أسراره، ولكل إنسان دائرته الخاصة، التي يجب عليه ألا يسمح لأحد بدخولها، وقد قال مَن لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وآله وسلم-: «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود»، كما أن لمملكة البيت العظيمة أسرارها، وإن كان لدى أهلها إدراك فلن يجعلوها حمى مستباحاً لكل أحد.

في كتاب (الكشكول) للبهاء العاملي أن الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سرك أسيرك؛ فإن تكلمت به صرت أسيره، ونظم هذا بقوله -رضي الله عنه- شعراً:

صن السر عن كل مستخبر... وحاذر فما الحزم إلا الحذر

أسيرك سرك إن صنته... وأنت أسير له إن ظهر

وكم في حياتنا اليوم من أسارى كلمة قالوها في ساعة ثقة لغيرهم فاستغلوها، وجعلوهم تحت رحمتهم، وقد يصل الأمر للابتزاز وتحويل الحياة إلى جحيم.

يجب أن نحفظ أسرارنا، ويجب أن نعرف لمَن نقولها إن رأينا قولها، فلا بد من القول أحياناً تخفيفاً وتقليلاً من الضغوط، ولكن ليس كل سر يُقال، ولا كل شخص يمكن أن نمنحه رقابنا، فالسر لا يقال إلا لخليل، وهؤلاء لا يمكن أن يتجاوزوا ثلاثة أخماس أصابع اليد الواحدة، فليس كل زميل في العمل خليلاً، ولا كل صديق تقابله في الاستراحة خليلاً، بل ولا حتى كثير من الأقارب خليلاً.

أسر رجل لآخر حديثاً، ثم قال له: أفهمت؟، قال: بل جهلت، ثم قال له: أحفظت؟، قال: بل نسيت.

ابحث عن مثل هذا!

@shlash2020