عبدالله الغنام

لا أعتقد أن قضية شغلت الرأي العام وتعاطف معها الناس خلال الأيام الماضية مثل حادثة الطفل المغربي ريان يوسف ذي الأعوام الخمسة، الذي وافاه الأجل الأسبوع المنصرم إثر سقوطه في بئر. وقد تم نقل أحداثها بشكل مباشر وعلى مدار الساعة، وتأثر بها القاصي والداني، والشرق والغرب.

ابتداء نسأل الله المغفرة والرحمة للطفل ريان، وأن يلهم والديه وأهله الصبر والسلوان. والمؤمنون بالقضاء والقدر حقا ليس لديهم أدنى شك أن لله حكمة في كل شيء، وقد تتجلى لنا الحكمة الآن أو بعد حين، وعندما نجهلها نسلم الأمر لله، ونقول كما قال سبحانه وتعالى: «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون». ولا يعني هذا أنهم (المؤمنون) لا يحزنون، بل ذلك من طبيعة الفطرة البشرية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا».

ولأن المسألة أصبحت قضية إنسانية واجتماعية عامة صار من الممكن أن ننظر إليها من زوايا مختلفة من أجل العبرة ولنتعلم الدروس المستفادة من مثل هذه القضايا والحوادث المؤسفة، التي قد تكررت من قبل لأكثر من طفل، وفي أكثر من دولة ولكنها لم تأخذ تلك الشهرة الواسعة والتعاطف الكبير، الذي أخذته هذه الحادثة الموجعة.

ولعل من الدروس التريث في نقل الأخبار وعدم الاستعجال بالتأكيد أو النفي قبل الرجوع إلى مصادر موثوقة لأن المسألة هي حالة إنسانية ولا بد فيها من مراعاة مشاعر وخواطر الوالدين والأسرة قبل نقل أي معلومة أو خبر.

ومنها أنه لا بد من سن قوانين صارمة وضوابط ومقاييس عالمية للآبار المعطلة والمكشوفة والمهجورة من أجل عدم تكرار ما حدث لأن الخطأ هنا يقع علينا نحن البالغين والمسؤولين وليس الأطفال.

ومنها عدم استغلال الموقف ليكون وسم (هاشتاق) يستخدم لغير الغرض المراد منه مثل التسويق أو الدعاية! أو تحويره بشكل سياسي وتحميل الموقف والحدث أكبر وأبعد مما يحتمل، فالقضية إنسانية واجتماعية.

ومن الدروس أن الطفل ريان -رحمه الله- ربما يكون سببا لإنقاذ آلاف الأرواح من الأطفال في العالم العربي إذا بدأنا بتطبيق شروط السلامة ومعايير عالية للجودة على الآبار لحمايتهم من السقوط فيها. وكذلك بسبب هذه الحادثة ربما يتزايد الوعي والحرص لدى الوالدين والأسرة على الأطفال في المناطق الزراعية والنائية وأثناء الرحلات البرية والاستكشافية. فتكون أفضل تعزية وذكرى له هي زيادة الوعي وعدم تكرر الحادثة المؤسفة لطفل آخر.

ومنها أن الآبار التي تستخدم من قبل الشركات والمؤسسات بشكل مؤقت أو للتجربة أن تلزم نظاميا وقانونيا بالردم أو يتم التشديد على الإجراءات في حال وجودها وتنفذ عملية الردم مباشرة بعد انتهاء الأعمال والمشاريع.

ونضيف إلى ما سبق نقطة مهمة جدا ألا وهي مسألة (التجمهر)، التي قد تحدث للأسف في بعض المجتمعات! ونحن نعلم حقيقة أن الجماهير عاطفية، ويبدو في حالنا أننا نتجمهر أكثر من الطبيعي! نعم، الأغلبية عاطفيون كما قلنا ويحبون أن يساعدوا الآخرين، وهذا أمر جد عظيم وممدوح، ولكن المسألة هنا كانت سلامة الطفل -رحمه الله- وأيضا سلامة الفرق المساعدة والطبية والمساندة. وكان من الملاحظ حضور عدد كبير من الناس، الذي كان من الممكن أن يربك عملية الإنقاذ، أو يتسبب في اهتزازات للتربة مما يؤثر على تماسكها، ولكن الله سلم.

الحادثة كانت وما زالت أليمة ومفجعة، ولكن الدرس الأهم أن الخير هو فيما اختاره الله. ويصدق في ذلك كله قوله عليه الصلاة والسلام: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط».

abdullaghannam@