نصل أحيانا في الكتابة إلى حافة اللغة. إلى منطقة لا يعود فيها التصوير الدقيق كافيا، حينها نشعر بأن الأمر يحتاج إلى استعارة ملحة تسد العجز الذي خلفته اللغة، إلى خلق علاقة بين عنصرين مختلفين لإضفاء تأثير أثير، أو لجعل القارئ يبصر شيئا لم يلحظه من قبل. يستخدم الكاتب الاستعارات من أجل تثبيت كتلة الوصف، ويلجأ إلى لغة ناجعة، مترعة بالتباينات، وفي نفس الوقت، تملك قوة إقناع. فهو بذلك يطلب من القارئ أن يعقد مقارنة ما في ذهنه، من أجل تحفيز ردة فعل بعينها، سوف تعمق فهمنا للموضوع الموصوف.
هناك (استعارة ميتة)، لم نعد نلحظها في جنبات اللغة المنطوقة، لأنها قد تشربتها تماما، فتبرأ منها الأدب، لتصبح جزءا من لغة البيوت والشارع، كأن يقول أحدهم: «سأموت من الضحك».
وهناك أيضا استعارة مستهلكة شاع استخدامها، فأصبحت أقرب للتحول إلى استعارة ميتة، وهي (الاستعارة المبتذلة). مثل: «الهدوء الذي يسبق العاصفة، وعنق الزجاجة»، واستعارات أخرى على غرارها، لاكتها الأفواه بشدة حتى غدت لا تتناسب مع الكتابة العصرية، واستخدامها الآن نابع إما عن كسل أو عن عجز من الكاتب. بينما كانت في مرحلة ما في الواجهة، حية ومتوهجة، لكن مع الإسراف في استخدامها تقهقرت وتراجعت إلى الظل، وحلت محلها استعارات يانعة ونضرة، تواكب اللغة العصرية التي يوظفها الكاتب في نصوصه، وتحقق مبتغياته.
ويعتبر جورج أورويل أن استخدام الكليشيهات والصور المبتذلة هو بديل عن التفكير، وشكل من أشكال الكتابة الآلية، أي الخاوية من روح وحدس الكاتب.
(الاستعارة الغامضة)، وتعبر عن العلاقة المزمع إقامتها بين عنصرين غير مرتبطين، وبالتالي، هي استعارة غير مفهومة، لأنها لا تؤدي الغرض المرجو منها. إنها تشبه مثالا أورده ستيفن كينغ ذات مرة، حيث جلس رجل بشكل متبلد إلى جانب جثة، ينتظر الفحص الطبي بصبر من ينتظر فطيرة الديك الرومي. فكما يبدو، الجسر الممتد بين الضفتين لم يكن صلبا بما يكفي لكي يحمل المعنى، لذلك، فالعلاقة مفقودة بينهما. حالة مثل هذه، تقوم على نزوع الكاتب إلى المغالاة في استعراض قدرته على خلق الاستعارات، غافلا أو متجاهلا حقيقة أن الاختلاق فن له ضوابط وأسس لا يمكن تجاوزها أو التخلي عنها.
قد تستطيع اختلاق علاقة غير موجودة بين عنصرين غير متجانسين، لكن يتبقى عليك الجانب الأهم، وهو أن تستطيع المضي قدما في شرح الفكرة بطريقة شافية وقبل ذلك مقنعة، إن لم تكن مدهشة وبراقة.
بقي أن نتطرق إلى (الاستعارة الفعالة)، وهي جزء أصيل من عالم الرواية، وبالتالي، يجب أن تكون مستلة منها، بحيث لو قرر الكاتب انتزاعها من سياقها في الرواية، وغرسها في رواية أخرى له فإنها لن تقبل ذلك. ومن دورها تعميق فهم القارئ للمعنى، لذلك، فإن المراد منها وضوح الرؤية وليس جمال التعبير، وهذا يعني أن استدعاء اللغة هنا ليس لذاتها، والإمكانات البلاغية ليس لها قيمة ما لم تكن دعما لاتساق النص.
رغم رحابة اللغة وثرائها، فإننا نضطر دوما إلى الاستعارة من أجل قول ما يمكن قوله، أو الإيحاء بما ينبغي إسكاته، إما لأن اللغة قد حجبت ما هو مكتوب فيها وأتاحت ما يمكن للاستعارة استنطاقه، وهي إذن لا تقول أكثر مما يسمح به المفهوم، وإما أن اللغة تفشي أكثر من الحقيقة نفسها، ولذلك ينبغي أن نؤول المعاني التي ضاقت بها المضامين.
والسؤال الذي يتدحرج هنا قبل النهاية: هل تقول الاستعارة الكينونة كما هي، أم هي حبلى دوما بآثار الغياب والصمت وهسهسة اللغة؟
@RaedAAlBaghli
هناك (استعارة ميتة)، لم نعد نلحظها في جنبات اللغة المنطوقة، لأنها قد تشربتها تماما، فتبرأ منها الأدب، لتصبح جزءا من لغة البيوت والشارع، كأن يقول أحدهم: «سأموت من الضحك».
وهناك أيضا استعارة مستهلكة شاع استخدامها، فأصبحت أقرب للتحول إلى استعارة ميتة، وهي (الاستعارة المبتذلة). مثل: «الهدوء الذي يسبق العاصفة، وعنق الزجاجة»، واستعارات أخرى على غرارها، لاكتها الأفواه بشدة حتى غدت لا تتناسب مع الكتابة العصرية، واستخدامها الآن نابع إما عن كسل أو عن عجز من الكاتب. بينما كانت في مرحلة ما في الواجهة، حية ومتوهجة، لكن مع الإسراف في استخدامها تقهقرت وتراجعت إلى الظل، وحلت محلها استعارات يانعة ونضرة، تواكب اللغة العصرية التي يوظفها الكاتب في نصوصه، وتحقق مبتغياته.
ويعتبر جورج أورويل أن استخدام الكليشيهات والصور المبتذلة هو بديل عن التفكير، وشكل من أشكال الكتابة الآلية، أي الخاوية من روح وحدس الكاتب.
(الاستعارة الغامضة)، وتعبر عن العلاقة المزمع إقامتها بين عنصرين غير مرتبطين، وبالتالي، هي استعارة غير مفهومة، لأنها لا تؤدي الغرض المرجو منها. إنها تشبه مثالا أورده ستيفن كينغ ذات مرة، حيث جلس رجل بشكل متبلد إلى جانب جثة، ينتظر الفحص الطبي بصبر من ينتظر فطيرة الديك الرومي. فكما يبدو، الجسر الممتد بين الضفتين لم يكن صلبا بما يكفي لكي يحمل المعنى، لذلك، فالعلاقة مفقودة بينهما. حالة مثل هذه، تقوم على نزوع الكاتب إلى المغالاة في استعراض قدرته على خلق الاستعارات، غافلا أو متجاهلا حقيقة أن الاختلاق فن له ضوابط وأسس لا يمكن تجاوزها أو التخلي عنها.
قد تستطيع اختلاق علاقة غير موجودة بين عنصرين غير متجانسين، لكن يتبقى عليك الجانب الأهم، وهو أن تستطيع المضي قدما في شرح الفكرة بطريقة شافية وقبل ذلك مقنعة، إن لم تكن مدهشة وبراقة.
بقي أن نتطرق إلى (الاستعارة الفعالة)، وهي جزء أصيل من عالم الرواية، وبالتالي، يجب أن تكون مستلة منها، بحيث لو قرر الكاتب انتزاعها من سياقها في الرواية، وغرسها في رواية أخرى له فإنها لن تقبل ذلك. ومن دورها تعميق فهم القارئ للمعنى، لذلك، فإن المراد منها وضوح الرؤية وليس جمال التعبير، وهذا يعني أن استدعاء اللغة هنا ليس لذاتها، والإمكانات البلاغية ليس لها قيمة ما لم تكن دعما لاتساق النص.
رغم رحابة اللغة وثرائها، فإننا نضطر دوما إلى الاستعارة من أجل قول ما يمكن قوله، أو الإيحاء بما ينبغي إسكاته، إما لأن اللغة قد حجبت ما هو مكتوب فيها وأتاحت ما يمكن للاستعارة استنطاقه، وهي إذن لا تقول أكثر مما يسمح به المفهوم، وإما أن اللغة تفشي أكثر من الحقيقة نفسها، ولذلك ينبغي أن نؤول المعاني التي ضاقت بها المضامين.
والسؤال الذي يتدحرج هنا قبل النهاية: هل تقول الاستعارة الكينونة كما هي، أم هي حبلى دوما بآثار الغياب والصمت وهسهسة اللغة؟
@RaedAAlBaghli