صحيفة اليوم

الإمام محمد بن سعود كان حريصا على الاستقرار الإقليمي في نجد

بايع أهالي الدرعية الإمام محمد بن سعود بالحكم بعد مقتل زيد بن مرخان، واستمر حكم الإمام محمد بن سعود ما يقرب من أربعين عاما، شهدت فيها الدولة السعودية الأولى استقرارا سياسيا واقتصاديا واضحا، وبعد فاته في عام 1179هـ/ 1765م، تولى ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي حكم حتى وفاته عام 1218هـ/ 1803م، ثم خلفه في الحكم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد، وبلغت الدولة السعودية في عهده أقصى اتساع سياسي وجغرافي لها، فتوحدت تحت لوائها معظم مناطق الجزيرة العربية، وبعد وفاته عام 1229هـ/ 1813م، تولى الحكم الإمام عبدالله بن سعود الذي قدمت في عهده الحملات العثمانية الغازية التي أسقطت الدولة السعودية الأولى، ودمرت عاصمتها الدرعية عام 1233هـ/ 1818م.

بيت إمارة

وحول حياة الإمام محمد بن سعود.. وُلد على الرأي الراجح عام 1090هـ/ 1679م، في بيت عز وإمارة، تعلم السياسة وشارك والده في إدارة شؤون الحكم، وامتلك صفات قيادية ومهارة عسكرية، ففي عهد والده تمكن من الدفاع عن الدرعية، وصد هجوما لزعيم الأحساء سعدون بن محمد، ودحر الجيوش المعتدية.

تولى الإمام محمد بن سعود الحكم عام 1139هـ - 1727م ونجح بحكمته وحنكته السياسية في تحقيق الأمن والاستقرار لأهالي الدرعية، وعُرف الإمام محمد بن سعود بسداد الرأي وحسن التدبير والتدين والرؤية المستقبلية المتأنية في تحقيق الوحدة والاستقرار لبلاده، وكان الإمام محمد بن سعود مستقلًا في حكمه، قويًا في قيادته، فلم يخضع لأي قوة سياسية خارجية كحال بعض البلدان النجدية.

مكانة الدرعية

وكان حريصًا على الاستقرار الإقليمي في نجد، ومد يد العون والمساعدة لجيرانه رغبة في استقرار أحوالهم الداخلية، كما حدث في نصرته لأمير الرياض دهام بن دواس عام 1151هـ/ 1738م عندما تعرض لتمرد المعارضين له، فأرسل الإمام محمد قواته لنجدته حتى استقرت له الأمور، وكانت هذه الحادثة علامة بارزة على مكانة الدرعية السياسية والعسكرية وقوتها المتنامية وقدرتها على ضبط الأوضاع في الرياض.

وحدة وتأسيس

عاشت الدرعية في عهد الإمام محمد بن سعود فترة واسعة من الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي حتى أصبحت موئلًا لعدد من الأسر والقبائل النجدية، وفي عهده قدم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ووجد النصرة والدعم من الإمام محمد بن سعود، فاستقر بالدرعية، وبدأ في نشر دعوته الإصلاحية بتأييد من الإمام محمد بن سعود، حكم الإمام محمد بن سعود حوالي أربعين عامًا قضاها في الوحدة والتأسيس، وتمكن خلالها من بسط نفوذه على معظم المناطق والبلدان النجدية وترك لأبنائه بعد وفاته في عام ١١٧٩هـ/ ١٧٦٥م دولة مرهوبة الجانب، قوية البناء.

اكتفاء اقتصادي

أوضحت د. المريطب أن مانع المريدي أسس الدرعية على قريتي المليبيد وغصيبة في وادي حنيفة، وكان ذلك في عام 850هـ/ 1446م، وتُعد الدرعية مدينة متوسطة الحجم بمفهوم المدن في تلك الفترة، وهي تمتاز باكتفاء اقتصادي جيد نظرًا لوقوعها على مفترق الطرق التجارية التي تعبر أراضيها، علاوة على أنها منطقة زراعية خصبة نظرًا لوقوعها على وادي حنيفة؛ مما ساهم في كثرة مزارعها التي تجود بإنتاج زراعي خصب يفيض في بعض الأحيان عن حاجتها، فتصدره للمدن والقرى النجدية المجاورة مثل العيينة وحريملاء وغيرهما.

دويلة صغيرة

وبالنظر إلى معالم الدرعية السياسية والاقتصادية يمكن القول إنها كانت أشبه بدويلة صغيرة قابلة للتوسع ومستقلة استقلالا كاملا، فلم تخضع لأي سلطة خارجية كحال بقية المدن النجدية، وبعد تولي الإمام محمد بن سعود الحكم عام 1139هـ - 1727م، أصبحت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، فازدهرت وتوسعت ونعمت بالاستقرار والرخاء في ظل حكم أسرة آل سعود.

دولة مستقلة

ويُعد مانع بن ربيعة المريدي هو الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «يحفظه الله»، كان مقيمًا في بلدة تسمى الدرعية بالمنطقة الشرقية، وكان له قريب يسمى ابن درع، وكان حاكما لحجر اليمامة، وتمت مراسلات بين مانع وقريبه ابن درع، قدم بعدها مانع لنجد وأسس مدينة الدرعية على قريتين في وادي حنيفة هما المليبيد وغصيبة، وكان ذلك في عام 850هـ/ 1446م، وتولى حكمها ثم ورثها أبناؤه وأحفاده من بعده.

وكانت لدى مانع المريدي فكرة إنشاء دولة عربية مستقلة في جزيرة العرب، فيذكر المؤرخ راشد بن جريس «1298هـ/ 1880م» ما مضمونه أن فكرة إنشاء دولة عربية في جزيرة العرب كانت واضحة للأمير مانع المريدي ولابنه ربيعة، وحفيده موسى بن ربيعة، وابن الحفيد إبراهيم بن موسى الذي كان يلقب بأمير نجد، وقد كان في أذهان أمراء الدرعية الاستقلال بنجد وشرق الجزيرة العربية التي قدِم منها مانع، وهو الأمر الذي تحقق بتولي الإمام محمد بن سعود، وتأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ - 1727م.

أجمع المؤرخون بعد مقاربة الأحداث التاريخية الواقعة في عام 1139هـ - 1727م على الترجيح بأن تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود بن مقرن كان تحديدا في 22 نوفمبر 1727 م/ الموافق 30 جمادى الآخرة 1139هـ.

وأشارت د. منال بنت عواد المريطب، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الملك عبدالعزيز والحاصلة على جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث الجزيرة العربية، إلى تولي الإمام محمد بن سعود الحكم بعد فترة اضطرابات عانت فيها الدرعية من انتشار وباء الطاعون وهلاك الكثير من الأهالي، وقيام نزاع داخلي بين عمه مقرن بن محمد وأمير الدرعية زيد بن مرخان، ووقف الإمام ببسالة وشجاعة واقتص من المعتدي وناصر الأمير زيد بن مرخان، ولم يلبث زيد طويلا في الحكم فقد غدر به أمير العيينة.