د. أحمد الكويتي

إن العلاقة بين الحب والإبداع علاقة قوية فكلما زاد حبك لشيء معين زاد إبداعك فيه والعكس صحيح فالحب هو أساس التميز، والتميز يأتي بالإبداع.

إذا نظرنا إلى الأشخاص المبدعين نجد أن لديهم حالة من العشق فيما يبدعون فيه، فهم أشخاص استحوذ على تفكيرهم الإبداع في مجال معين فقدموا أفضل ما عندهم، وضحوا بالكثير من أوقاتهم من أجل الوصول إلى أهدافهم.

إن الحب أساس الإبداع فالحب هو اكسير للأعمال وروح للحياة، وتجديد للنشاط، فمن أراد الإبداع والوصول إلى الغاية في الإمامة، والجودة في الفهم، والنبوغ في التحصيل، فما عليه إلا ببذل مع حب واندفاع وشوق ورغبة مع حرص، فهكذا يكون الإبداع في أصدق معانيه وأروع صوره.

إن المكره لن يستطيع أن يبدع، فكيف يبدع وهو مرغم على فعل أشياء لا يحبها، فهو مجبر عليها فهل سمعت بعالم مبدع كره علومه، وهل رأيت فقيها ترك مذكراته، وهل بلغك أن ذكيا عاشقا للقراءة هجر كتبه.

إذا أردت الإبداع فاجعل الحب يستولي على اهتماماتك ويحكم على عواطفك، فحبك لهذا الشيء يجعلك تتوهج وتبدع فيه، وتتألق في تحقيق هدفك المنشود وغايتك المقصودة.

إنك لن تحظى بالإبداع في أمر والتفرد فيه حتى تحب كل ما يدعوك إليه وكل ما يجذبك نحوه فتأتيه منشرح الصدر مرتاح البال مستمتع بالعمل فيه مندفع في طريقك إليه بحرارة الحب لتناوله ولا تشعر بعامل الوقت.

إن الخمول والكسل والاستكانة والقعود عن مراتب النبل وضياع الوقت مهلكات للإبداع تعمل على تشتت الهمم وضعف الإرادة.

وإذا طالعنا سير العلماء نجد أن إبداعهم فوق الوصف والخيال، وهذا لم يأت إلا بالحب وحتى نكون أصدق إلا بالشغف الذي هو أقوى من الحب وهو ما جاء على لسان زليخة امرأة عزيز مصر (قد شغفها حبا).

وإذا نظرنا إلى المبدعين في واقعنا المعاصر نجد أن لديهم شغف الإتيان بكل ما هو متميز وعصري واكتساب مجموعة من المهارات وتعلم كل ما هو جديد حتى يمكنهم الصعود والارتقاء إلى أعلى الدرجات في سلم التميز والرقي الإبداعي. وهذا هو دأب المبدعين فهم عاشقون لما يقومون به من أعمال ويستولي على اهتماماتهم حب شديد يوجهون إليه كل طاقاتهم منذ اللحظة الأولى في مشاريعهم وأعمالهم الإبداعية.

وإذا استعرضنا بعض النماذج المشرفة من المبدعين نجد أن الكثير منهم ضحى بالغالي والنفيس من أجل أن يقدموا لمجتمعاتهم الإبداع في أجل صوره والتميز في أصدق معانيه سواء في الإبداع الأدبي أو العلمي.

ففي المجال الأدبي والسياسي نجد الشاعر والأديب والكاتب والسفير والدبلوماسي غازي القصيبي رحمة الله عليه، الذي قدم نموذجا رائعا وعبر عن ذلك من خلال كتاباته المتميزة وأشعاره المعبرة عن حب الوطن والتضحية والفداء من أجله، وله إسهامات صحافية متنوعة ترجمها عبر دواوين شعر وروايات كثيرة وربما يعد بسببها أحد أشهر الأدباء في السعودية، ويظل رمزا لمن يريد أن يبدع من الشباب فيقتفي أثره ويعمل على خطاه إذا أراد الإبداع في المجال الأدبي.

وإذا استعرضنا سير العلماء السعوديين وإنجازاتهم سواء في الطب أو الصيدلة أو الهندسة أو العلوم الإنسانية نجد الكثير من النماذج المشرفة، الذين ينبغي أن يحتفي بهم المجتمع السعودي وبمنجزاتهم على مختلف المستويات وإبراز إنجازاتهم في كافة المحافل محليا ودوليا، والاهتمام بتكريمهم وتحفيزهم للمزيد من الإنجاز.

وخلاصة القول نستطيع أن نقول إن الحب له دور كبير في توليد الطاقات الإبداعية واكتشاف المواهب المدفونة بالشغف والإلهام المحركين للقدرات الإبداعية، وما ضربنا هذه الأمثال المشرفة إلا لنعلم الشباب كيف يعمل الحب في توليد طاقات إبداعية يعجز عنها الأشخاص العاديون، وأنه إذا أردت أن تبدع فما عليك إلا حب مع شغف.

@Ahmedkuwaiti