أدار الندوة - طارق المزهود شارك في الندوة - رغد السهيمي

تحديات صنعت مجدا استمر أكثر من 300 عام

طالب أساتذة التاريخ في عدد من الجامعات بضرورة معرفة التحديات التي واجهت الإمام محمد بن سعود، وكيف استطاع توحيد الرأي وحفظ الأمن، وأن الأسس التي وضعها ظل عليها جميع من أتوا من بعده.

وأشاروا في الجزء الثاني من ندوة «اليوم» إلى الدروس المستفادة في قصة تأسيس الدولة السعودية الأولى، ومن أهمها أن خدمة المسلمين منهج سار عليه جميع أئمة الدولة السعودية وملوكها.

موهبة إدارية صقلتها التجربة

تأسيس لبنات إمارة الدرعية

دولة قوية.. «أثناء وبعد» الإمام

قالت أستاذ التاريخ السعودي بجامعة الملك سعود د. فاطمة بنت حسين القحطاني إن الإمام محمد بن سعود يمتلك موهبة إدارية تدرجت وتقوّت جوانبها مع زيادة خبرته في الحكم والإدارة، كما امتاز بالمعرفة الكبيرة في القوانين والأعراف القبلية التي كان يفرضها النظام السائد آنذاك. كما كان ذا موهبة حربية كبيرة تجلت بوادرها منذ طفولته، وحرص والده على تعليمه ركوب الخيل وفنون الرماية، وظهرت موهبته العسكرية في الحروب التي خاضها بعد توليه الأمر في الدرعية وقيادته جيوشها ومناصرته جيرانه في صد الاعتداءات الخارجية عليهم، وبعد قيام الحملات العسكرية في الدولة، قام بقيادة عدد من حملات الجيوش التي وجّهت للبلدات المجاورة.

وأشارت د. القحطاني إلى أن الإمام توفي عام 1179هـ/ 1765م وهو في عمر يقارب الـ90 عاما، ودُفن في مقبرة الدرعية، وخلف من بعده ابناه عبدالعزيز ولي عهده الذي تولى الحكم من بعده، وعبدالله وهو والد الإمام تركي مؤسس الدولة السعودية الثانية والجد الأكبر للملك عبدالعزيز، وكان له ابنان آخران وهما فيصل وسعود وقد استشهدا في عام 1160هـ، وقالت د. القحطاني إن أهم إرث تركه الإمام محمد بن سعود هو تأسيس أول دولة عربية مستقلة في الدرعية تجمع شتات الجزيرة العربية منذ ما يقارب الألف عام قبل قيام الدولة في الدرعية، فترك بعد ذلك لخلفائه دولة ترفرف راياتها في وسط نجد، ليكمل أبناؤه وأحفاده مسيرة التوحيد وتأسيس دولة مترامية الأطراف شملت أغلب أجزاء الجزيرة العربية، ووصلت في نفوذها إلى حلب في بلاد الشام؛ لتشكل بذلك أكبر اتساع للأراضي السعودية في تاريخ الدولة.

ذكرت أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن أ. د. مها علي آل خشيل أنه بالرغم من وفاة الإمام محمد بن سعود عام 1179م، إلا أن الدولة بقيت قوية وعلى نفس الأسس التي وضعها، حيث كان يحلم بدولة توحّد الجزيرة العربية وبالفعل هذا الذي تحقق، حيث اتسعت الدولة وشملت معظم أنحاء الجزيرة العربية، ففي أول 40 عاما من تأسيسها، كانت زيادتها تقتصر على نجد والمناطق الواقعة شمالها وجنوبها، لكن منذ بداية القرن الـ13 أصبحت الدولة في مركز قوي، ودخلت بقية المناطق تحت رايتها فوحّدت الأحساء ووصلت إلى الخليج العربي، ولقيت هذه المبادئ التي نادت بها الدولة السعودية قبولًا لدى القبائل الساكنة على سواحل الخليج العربي، وكان مظهر السيادة في ذلك الزمن هو دفع وتأدية الزكاة إلى الدرعية كدليل على الانضواء تحت رايتها، مضيفة إن التوسع في شرق شبه الجزيرة العربية تزامن مع امتداد النفوذ السعودي إلى عسير وجازان وما حولها عبر عددٍ من طلبة العلم الذين تعلموا ودرسوا في الدرعية، وبالتالي انضمت عسير وجازان وما حولهما إلى الدولة السعودية، كما بدأ النفوذ السعودي في الوصول إلى الحجاز، وتدريجيا بدأت القبائل التي تسكن عالية نجد تنضم إلى الدولة السعودية، وتبعتها قبائل أخرى في المنطقة، وأصبحت تسيطر على معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية، وأصبحت أكثر اتساعًا، وهذا التوسع ما كان له الاستمرار لولا قاعدة فكرية أسست وترسخت منذ عهد الإمام محمد بن سعود الذي كان مقتنعًا بأنه لا يمكن أن تكون هناك قوة في المنطقة إلا في ظل دولة واحدة قوية، وتصحيح شامل للعقيدة ونشر التعليم ومحاربة الجهل، وبالتالي تشهد المنطقة الازدهار والتطور.

وقالت أ. د. خشيل إن الدولة السعودية الأولى لم تكن مبنية على عصبية قبلية أو إقليمية أو أهداف ومصالح شخصية ضيقة أو تبعية لأي قوى خارجية، وإنما قامت على التوحيد لله والشريعة الإسلامية، وأن يكون الجميع تحت راية واحدة. مشيرة إلى أن أبرز تحد واجه الدولة السعودية الأولى، وظهر منذ عهد الإمام محمد بن سعود هو أن المنطقة عاشت لفترة طويلة في نزاعات قبلية وزعامات محدودة، وبعض البلدات كانت مقسمة لأربعة أقسام، وكل قسم عليه أمير، وبالتالي هذه المصالح الشخصية الضيقة كانت أبرز تحدٍّ واجهه الإمام محمد بن سعود؛ لأن البعض لم يقبل بهذا التوجه إلى الوحدة الوطنية وواجههم الإمام بالجهود الفكرية التي تؤكد على الوحدة وإحكام العقل، ومحاربة الخرافات والمصالح الضيقة، وبالتالي استغرق توحيد نجد نحو 40 عاما من عمر الدولة السعودية، وبمجرد توحيد نجد، تَشكَّل فتح كبير للمواقع الأخرى فضُمَّت المناطق المجاورة لها التي شعرت بهيبة الدولة وفائدتها، وانتشار الأمن وانتهاء المصالح الشخصية الضيقة، مشيرة إلى انتشار المبادئ وتصحيح العقيدة ونشر التعليم، وأن يكون الجميع تحت راية واحدة، كانت أساسيات ساهمت في تقبّل الناس للانضمام للدولة السعودية الأولى.

وذكرت د. آل خشيل أن الأسس التي وضعتها الدولة السعودية الأولى ظلت باقية حتى وقتنا الحاضر، ومن ذلك مبدأ الشورى وهذا المبدأ حافظت عليه الدولة في كل تاريخها والأسس الراسخة في الالتزام بالشريعة الإسلامية، ومحاربة البدع وطيلة هذه القرون بقيت الدولة محافظة على توحيد الله «سبحانه وتعالى»، وامتد ذلك لخارج الدولة، وبالتالي علينا واجب كبير في الحفاظ على هذه الدولة والمبادئ والهوية الخاصة بالمواطنين وهذه قيم ودروس عندما نبحث عن جذورها نجدها تعود للدولة السعودية الأولى.

الاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية التي بدأت منذ عام 1139هـ

ارتباط المواطنين الوثيق بقادة الدولة منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل 3 قرون وحتى العصر الحالي

ماذا يعني يوم التأسيس؟

أوضح أستاذ التاريخ الحديث المشارك بكلية الآداب جامعة الملك فيصل د. علي بن حسين البسَّام أن تأسيس الدولة السعودية الأولى لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء بعد تراكمات سياسية وتاريخية على مر السنين من أبناء مانع المريدي وأحفاده وصولًا إلى الإمام محمد بن سعود. مضيفًا إن من الأمور التي جعلت للدرعية قوة ومكانة بين البلدان الأخرى، وحدتها السياسية، فعندما سيطر الإمام محمد بن سعود، وتولى زمام الأمور فيها أصبحت الدرعية يدًا واحدة ضد الأعداء، كما أنها لم تخضع لقوى سياسية أخرى فأصبحت قوة مهابة آنذاك، وظلت محافظة على كيانها وقوتها السياسية، فأسس الإمام محمد بن سعود لبنات إمارة الدرعية الأولى؛ لتكون دولة عربية سكانها من العرب.

واستطرد د. البسام: لو نظرنا للتاريخ بشكل عام، سواءً لتاريخ العالم أو التاريخ العربي أو الإسلامي لوجدنا أن الدول في العادة تقوم على يد بعض الأفراد الطموحين، والإمام محمد بن سعود هو مَن وضع الأسس الحقيقية للدولة السعودية الأولى وظل يحكم الدولة لمدة تزيد على ١٨ عاما قبل مناصرته لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي جاء للدرعية نظرًا لقوتها وقدرتها على حمايته وتأييد فكرته ودعوته الإصلاحية، وظل الإمام محمد بن سعود إمامًا للدولة بعد ذلك قرابة 20 عامًا إلى أن توفي «رحمه الله» سنة 1179هـ، فتاريخ الإمام محمد بن سعود حافل بالعطاء بدءًا بوضع أسس الدولة وبنائها وانطلاقتها وصعودها لتكون الدولة السعودية القوية في جزيرة العرب.

نزاعات قبلية وزعامات محدودة في المنطقة لفترة طويلة

بعض البلدات كانت 4 أقسام وكل قسم عليه أمير

ترسيخ هيبة الدولة

انتشار الأمن

انتهاء المصالح الشخصية الضيقة

انتشار المبادئ وتصحيح العقيدة والتعليم

نجاحات