د. يعن الله الغامدي

لقد كرم الله المرأة وأعلى من شأنها فلم يحملها ما لا طاقة لها به ولم يكلفها ما لا تجيد فعله وهو الذي أنقذها من طغيان الرجل في المراحل التاريخية من العصور الجاهلية عندما كان يسومها سوء العذاب ويعاملها معاملة الدواب، والقرآن الكريم والحديث الصحيح حفظ لها حقوقها فالنساء في عهد سيد الخلق عليه السلام يبعن ويشترين ويمرضن ويداوين كما عملت المرأة في الإدارة والحسبة والرضاعة والتوليد والتعليم والقتال وكان لها الحق في العمل الشريف عند الحاجة تحت قبة ما أباحه الله.

وإذا كان التقدم التكنولوجي اليوم هو العامل المؤثر الكبير على الكثير من جوانب الحياة فإنه هو أيضا القائم بتغيير نمط حياة الفرد والجماعات من خلال استخدام آلية تلك المنصات المختلفة التي قد تصرفهم أحيانا عن مناهل الفضيلة مما جعل البعض يترنح تحت إدمان تلك الوسائل التي أسقطته في فخ الاضطرابات النفسية أو المشكلات الصحية ولعل الأسرة هي الدرع الأول في أي مجتمع والمرأة فيها هي الركن الأقوى والحصن الأسمى بل هي مصدر السعادة كما هي مصدر الإثارة حتى وإن بدت للناس وكأنها في حياة أسعد ونعيم أرغد فالنساء لا نرى إلا شواطئهن ولا نعلم عما في أعماقهن !.

وزبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر زوجة هارون الرشيد والشاعرة البليغة المقال والسيدة البارعة الجمال أحببت أن أعرضها كمثال على نساء هذا العصر لأنها كانت من المساهمين في تحول بغداد إلى مركز للعلوم والثقافة، والمؤرخون يصفونها بأنها أعظم نساء عصرها والتاريخ لا يخلد الذين يعيشون على هامش الحياة.

وزبيدة سواء كان هذا اسمها أو لقبها صنعت لها مجدا عظيما حينما عملت على تمهيد درب تاريخي عرف باسمها من الكوفة إلى مكة وجعلته على شكل استراحات بين كل استراحة وأخرى مسافة خمسين كيلومترا زودته بعلامات إرشادية حتى أضحى طريقا للحج والتجارة وقد سجلته هيئة السياحة والتراث الوطني حينذاك ضمن المواقع التراثية بالمملكة.

وزبيدة أيضا لم تخلدها حياة الأموال ولا ما تقتنيه من جواهر ولم تخدعها المظاهر لأن العقل وزير ناصح والهوى وكيل فاضح وإنما الذي خلدها وأشهرها حتى اليوم هو بناؤها عين زبيدة القائمة حتى الآن ومقولتها الخالدة لمستشاريها المعارضين (سنعمل ولو كلفت ضربة الفأس دينارا) فكانت على شكل خرزات بداية من تحت جبال الهدا بالطائف وعلى طول وادي نعمان متجها نحو مكة المكرمة مرورا بالمشاعر المقدسة واستمرت السقيا منها لأكثر من ١٢٥٠ سنة إلى أن جاءت حكوماتنا الموفقة في درة البلدان بجلب مياه التحلية من البحر.

رحم الله تلك المرأة العباسية الهاشمية القرشية ساقية الحجيج..

@yan1433