د. عبدالوهاب القحطاني

برز منهج القيادة الإنسانية في العقود الثلاثة الأخيرة، وذلك نتيجة للتحولات الفكرية في العلاقات العمالية بين الشركات واتحادات العمال في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصناعية المتقدمة، وكذلك نتيجة للضغوط البيئية المؤثرة في الإنتاجية والالتزام الوظيفي، حيث كانت مدرسة هوثورن في مقدمة المدارس الفكرية، التي ركزت على تهيئة ظروف العمل للموظفين. كانت النقابات العمالية تحرك الموظفين الذين ينتمون لعضويتها ضد الشركات، التي تحاول استغلالهم وإبعادهم عن عضويتها لتحمي نفسها من الدعاوى القضائية العمالية.

كان للقوانين المنظمة للعلاقات العمالية دور كبير في تطوير العلاقات الإنسانية بين مديري الشركات وموظفيها. من هذا المنطلق غير المديرون سلوكهم الإداري من ميكانيكي يهتم بإنتاجية الشركات على حساب احتياجات موظفيها إلى سلوك إداري إنساني. رأينا تحولاً ملحوظاً في الفكر الإداري في عدد من الدول المتقدمة في العقود الثلاثة الأخيرة نتيجة الضغوط العمالية. أدرك مديرو الشركات أن الإدارة الإنسانية هي الأسلوب الأمثل للحصول على تعاون الموظفين، وذلك لأنها تدعم احترام الذات وتغير مفهوم العلاقة بين الرئيس والمرؤوس من علاقة دكتاتورية إلى علاقة توجيهية ثم إلى إدارة إنسانية ومشاركة وتمكين.

ولفهم الجانب الإنساني في القيادة الإدارية أرى ضرورة الحديث عن القيادة الإنسانية والنظريات القيادية وأنماط القياديين وعوامل أخرى تجعل القائد أكثر تأثيراً في موظفي المؤسسة، التي يديرها لتحقيق الأهداف المأمولة. ويعتبر الباحثون أن القيادة الإنسانية نمطا إدارياً فاعلاً يحقق من خلاله المدير أو القائد أهداف منظومته بالتعامل الإنساني مع الموظفين، بحيث يأخذ في الاعتبار احتياجاتهم النفسية بالتحفيز المعنوي والمادي، وبالتالي يحققون أهداف المؤسسة برغبة وأداء مميز.

يتجلى التعامل الإنساني للمدير أو القائد تجاه الموظفين في تقديم المعلومات، التي تساعدهم على العمل بكفاءة عالية، وكذلك تقديم المشورة والنصيحة عندما يتطلب العمل ذلك. أما الوضوح في العلاقة بين القائد أو المدير والموظفين فنجده في الاتصال الإنساني المباشر بينهما سواء وجهاً لوجه أو عبر وسائل الاتصال المتقدمة. ويشجع القائد أو المدير الناجح الموظف على المشاركة في القرار لما في ذلك من تقدير واحترام للذات وتمكين لها.

يؤكد نمط القيادة الإنسانية على أهمية التركيز على تفهم وتلبية احتياجات الموظف وتنمية قدراته في المنظومة بدلاً من التركيز على العمل والمنظومة والأهداف والعملية الإدارية والإنتاجية. فهي ببساطة تقوم على تشجيع وتحفيز الموظف من خلال تلبية احتياجاته ليقوم بتلبية احتياجات المنظومة للوصول إلى أهدافها المرجوة. الإنسان بطبيعته اجتماعي يبحث عن تقدير الذات والرغبة في اعتراف الآخرين بإنجازاته، لذلك على القيادة تطوير قدراته وتلبية وإشباع احتياجاته النفسية ضمن الإطار العام للمنظومة. ويميل الموظف لسلوك معين في عمله فإما أن يكون محبا لعمله ومتعاونا مع رئيسه وزملائه أو أن يكون عكس ذلك. وهنا نرى دور المدير أو القائد الإداري في اختيار النمط الإداري المناسب لسلوك الموظف حتى لا يواجه مقاومة من جانب الموظفين تؤدي إلى صراع غير محمود في المنظومة. إن فهم القائد لسلوك الموظفين بنظرة إنسانية يساعد على اختيار النمط القيادي الأنسب لتوجيههم، وبالتالي يقربهم منه ويحقق احتياجاتهم وأهداف منظومته. ونجد توافقاً قوياً بين المنهج الإنساني والمنهج الديموقراطي في التعامل مع الموظفين بعكس المنهج القيادي الاتوقراطي (سلطة المكتب والوظيفة)، الذي يركز على النتائج بغض النظر عن احتياجات الموظفين وقدراتهم الجسمية والنفسية.

تهتم القيادة الإنسانية بصفة عامة بمشاعر وأحاسيس وكرامة وأهمية الموظفين، لذلك يقوم المدير الذي يتبع الأسلوب الإنساني والديموقراطي بالاستئناس برأي الموظف وأفكاره ومعلوماته في صنع القرار. ويهتم المدير الإنساني بتنمية قدرات الموظف وطاقاته الكامنة ويطلق العنان له ليدلي برأيه في عمله ليحقق ذاته ويقوي شخصيته بالشكل الصحيح، الذي يجعله يشعر بأهميته في المنظومة.

كلية الأعمال KFUPM

@dr_abdulwahhab