أروى المزاحم

حين فتحت أحد الكتب القديمة لقراءتها، أثارتني رائحة الورق، كانت تضخ بعبقها الذكرى والحنين لأيام مضت.. ولمشاعر خطت لأجلها هذه الكتب.

للكتب رائحة خاصة دافئة، فحين أقلب صفحات الكتب القديمة ذات الأوراق الصفراء أذوب في استنشاق رائحة قديمة لا يمكن وصفها ولكن يمكن التعرف عليها والشعور اتجاهها بالألفة والهدوء، الذي بات الكثير يفتقده بسبب ظهور الكتب الإلكترونية، التي سهلت تصفح الكتب من خلال الأجهزة.

ولكن ما السبب وراء إصفرار أوراق الكتب وما سر رائحتها المميزة..؟

أجاب عن هذا السؤال أحد الأطباء النفسيين بقوله (إن حب رائحة الورق أو الكتب له أسباب مختلفة والأمر يخضع لفروقات فردية، أحد الأسباب هو وجود ذكريات وخبرة جيدة يتذكرها الإنسان عند شم تلك الرائحة، فمثلا عندما يحب الشخص عطرا محددا في مرحلة عمرية معينة، وبعد مرور سنوات يشم الرائحة العطرية، فيتذكر مباشرة تلك المرحلة الجميلة، وقد يكون لها رابط نفسي بأمتع اللحظات التي قضاها الشخص برفقة الكتب، فتعلق الرائحة في ذاكرته وعقله ما يسبب له الهوس بتلك الرائحة).

ويعزى السبب في ذلك أيضا إلى ارتباط هذا السلوك بالعواطف المكتسبة من الوالدين، فعلى سبيل المثال إن أحب أحد الوالدين شيئا أو خافوا منه، فخوف الابن أو محبته لذلك الأمر تحديدا هو أمر مكتسب من الوالدين، أما إن كنا نبحث عن حقيقة علمية تفسر سر هذا السلوك، فقد ذكر موقع

المختص بنشر الحقائق العلمية بأن: «scienceabc»

التحلل الكيميائي للمركبات الموجودة داخل الورق هو ما يؤدي إلى إنتاج الرائحة المميزة للكتب القديمة، فأوراق الكتب تحتوي على السليلوز وكميات أقل من اللجنين، كل من هذين المركبين يأتيان أساسا من الأشجار، التي تصنع أوراق الكتب من أخشابها، حيث تحتوي الأوراق ذات الملمس الأنعم على كمية لجنين أقل بكثير من أوراق الجرائد ذات الملمس الخشن، كما أن اللجنين يعد هو المسؤول عن إصفرار الورق مع التقدم في الزمن، إذن فإن رائحة الكتاب القديمة مشتقة تقريبا من هذا التحلل الكيميائي (تحلل السليلوز واللجنين على مر السنين).

الأمر الذي أثار استغرابي فعلا أن بعض الشركات قامت باستغلال تلك الرائحة، فقامت بتصميم عطر خاص لأجلها كي يقتنيه عشاق الكتب أولئك الذين يفضلون القراءة الإلكترونية، فمن خلال هذا العطر سيتمكنون من استعادة شعورهم برائحة الكتب.

وتشكل هذه العطور أهمية كبرى كأي نوع آخر من العطور حسب ما أكدته هذه الشركات، فالأنف الذي يعد من أكثر الحواس قدرة على استعادة الذكريات يتفاعل مع تلك الرائحة، فيستعيد الشعور مرة أخرى..

ومَن يدري لربما في الأعوام القادمة سنتمكن من شم الروائح من خلال الأجهزة ونتبادلها مع الآخرين ولكن السؤال هو: هل يمكن أن تحل تلك الاختراعات محل الإحساس بالرائحة الحقيقية؟؟

ومضة:

لكل ذكرى مرت بنا رائحة تميزها عن غيرها يمكننا استعادة تلك الذكرى من خلالها.. لذلك اصنع لذكرياتك رائحة مميزة.

@almuzahem