سعود القصيبي

إن الفن التشكيلي لهو من الفنون الراقية والتي تحاكي النفس وتبرز أسمى لحظاته. ففيه أبدع الفنان بخياله وريشته وبالألوان حتى أصبحت كما السيمفونية الرابعة عشرة لبيتهوفن أو هي تلك الأخرى الموشحة موزارت. وحيث أبدعت مخيلة الإنسان خرجت لنا بمنظومة أو أرجوزة نقرأها فتحاكي النفس ولتنسج من تلك الخطوط والألوان إبداعها ليظهر لنا بهاؤها وجمالها. نعم هي تلك اللوحات الجميلة والتي أخرجتها لنا الفنانة التشكيلية المبدعة علياء بنت أحمد لتنال حد العالمية في الفن التشكيلي.

وليس كل يوم نذهب فيه إلى معارض الفن التشكيلي لنرى اللوحات المختلفة فننبهر. وليست هي الألوان أو تلك المدرسة من الفنون أو غيرها إنما هو حس الفنان ما يجعل من تلك الأعمال مبدعة. فمن خلال معرضها «أعالي الصفاء» والذي جاء بمدينة جدة وافتتح الخميس الماضي بمعرض حافظ استعرضت الفنانة علياء رسوماتها ونالت إعجاب الزائرين.

ولعلنا نستعرض ما كتب في الكتيب التعريفي المرفق للمعرض، فقد ذكر أنها تستلهم فنها من رسومات تيتان والرسام بيدرمير بونارد إضافة إلى غيرهم من الفنانين العالميين وكذلك من الفنانين السعوديين صفية بن زقر وعبدالرحمن السليمان. فمن خلال أعمالها تستلهم الفنانة حسب ما كتب أعمالها من ذكريات اللحظات التي ذهبت فيها بين أكتاف الطبيعة حيث يساهم المنظور الطبيعي في إعادة تصور الفنانة لبيئتها. كما تعكس لوحاتها الحركة والأشكال تصويرا للمنظور الطبيعي في المملكة. فهي تجذب حواس المشاهد لفتح مساحة لاستحضار ذكرياته الخاصة ومشاعره.

الفنانة التشكيلية علياء بنت أحمد تخرجت في كنق كوليدج في لندن بريطانيا لتعود وتشارك وطنها بما تعلمته من مبادئ وأسس لفن الرسم لتطور العمل الفني بحس وطني خالص بقدراتها ومجهوداتها حتى أصبحت أعمالها الفنية مميزة ومن الرواد في المجال، رغم حداثتها. ويعد هذا من أول معرض يقام لها. إلا أنه لا شك يوما ما سنسمع عن فنها يرتاد العالم ويشاهد من خلال الصالات العالمية ومتاحف الفنون.

ومما ذكرته في إحدى المقابلات معها تتحدث فيها عن فنها «أحاول دائما إيجاد توازن بين الألوان الكاتمة تماما، وتلك الصارخة لابتكار عمل يتمازج مع محيطه. كل ما أرسمه غير مخطط له، فأنا أشعر بالراحة عندما أبدع عملا واضح المعالم، كمنارة تسطع في عتمة الليل ووسط الضباب، بحيث يراها الجميع يتلمسون طريقهم إلى شاطئ الأمان».

وللمبتعدين عن الساحة الفنية، فإن الفن التشكيلي التجريدي هو بصفة عامة أن يخرج الإنسان من الواقع إلى اللا واقع، ويميل إلى تجريد الأشكال من ملامحها وألوانها لتخرج بذلك أعمال فنية مبدعة تحاكي النفس وتقص قصة وتحكي حكاية. وهي مدرسة حديثة خرجت من رحم الفن التشكيلي، أتت بدايات هذا الفن وولادته نواحينا حسب ما يذكر في فترة الستينيات الميلادية حيث كثرت البعثات الخارجية للدراسة بالمجال. ولعل ما نشاهده على الساحة الفنية هو انطلاقة جديدة لهذا الفن من أسلوب تجريدي وجد من خلال أعمال الفنانة علياء أنفاسه ولعله أكبر مشهد وطني نراه لهذا الفن بالمملكة.

وليس هناك الكثير من الفنانين السعوديين التشكيليين الممارسين لفن الرسم التجريدي لأن ما يدرس وأغلب التوجه مختلف بسبب الثقافات المختلفة العربية لفن الرسم وتأثرها من مدرسين وافدين. وأذكر هنا بعض الفنانات السعوديات والتي حظيت بشرف دعمهن حين بداياتها بتعريفها على أحد أنماط هذا الفن وعلى رواده العالميين بعد أن كانت ترسم كما تعلمت بالفن التشكيلي محاولة بذات الوقت الخروج منه. فقد رأيت فيها إمكانية لشيء أكبر بعد أن كانت تعرض بأحد الأزقة بجدة القديمة أعمالها. ولوحاتها الآن خرجت للشهرة وأصبحت تقتنى بعد أن طورت أسلوبها وأصبح خاصا مميزا لها. وهناك آخر مما شاهدت وحضرت لهم عددا من المعارض أن أصيبوا بالإحباط فتوقفت بسبب حداثة الفن حينها رغم جمال الأعمال وروعتها ورقيها. ورغم توقف الأخيره إلا أنني أعدها من الرواد الأوائل أيضا للفن التشكيلي التجريدي المعاصر.

إن لكل فن من الفنون لا بد من نقطة ولحظة انطلاقة. ولعل ما شاهدناه من خلال معرض «أعالي الصفاء» للفنانة علياء بنت أحمد هو بمثابة إعلان لتلك النقطة واللحظة لإبراز أجمل إبداعات الفن السعودي من الأعمال التشكيلية ليقول للعالم إننا هنا موجودون برؤية محلية منطلقين نحو العالمية.

@SaudAlgosaibi