د. عبدالوهاب القحطاني

تعتبر الدراسة في الخارج واحدة من أكثر التجارب إثارة ومتعة في حياة الإنسان المحب للتغيير والتطور. إن التواجد في بلد جديد تمامًا يوفر الفرص لتجارب اجتماعية وثقافية جديدة ومواجهة التحديات الجديدة، وبناء الشخصية القوية في جوانب كثيرة. كما أن الدراسة في الخارج على المستوى العالمي تختبر قدرة طالب العلم على التكيف مع المواقف المختلفة، وتزيد في قدرته على حل المشكلات التي تواجهه. يُثري التعليم في الخارج الآفاق المهنية من خلال أساليب التدريس المتقدمة والرائدة من حيث أحدث التقنيات التعليمية، والبحوث أو التدريب. تساعد الدراسة في الخارج الطلاب على تقدير العالم من حولنا بشكل احترافي وفكري وثقافي.

تساهم برامج الابتعاث الحكومية والخاصة إلى الخارج للدراسة في تطوير معرفة وخبرة ومهارات المبتعثين، خاصة إلى الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، لذلك للابتعاث إلى الخارج فوائد كثيرة أهمها التعلم في جامعات متقدمة وأخذ العلم من مصادره وتحمّل المسؤولية والاعتماد على النفس. عندما يسافر المبتعثون أو المبتعثات إلى دول بعيدًا عن الوطن والأهل فإنهم يبدؤون في الاعتماد على أنفسهم. إن لتلقي التعليم في دول وجامعات متقدمة مردودًا اقتصاديًا ومعرفيًا على الوطن والمواطن، لذلك كانت برامج الابتعاث المتتالية من أنجح برامج الابتعاث التي تبنّتها حكومة المملكة العربية السعودية في السنوات الخمسين الماضية. لقد كان اختيار المبتعثين في تخصصات عديدة حسب حاجة سوق العمل السعودية، لذلك نلمس تحقيق النتائج الإيجابية الناجحة.

المعرفة بالحضارات والثقافات الأخرى ذات أهمية كبيرة للمبتعثين لتشكيل علاقات اجتماعية تساعدهم في المدى البعيد. لقد عرف الكثير من الأجانب عن المملكة أرضًا وحكومة وشعبًا وثقافة وقيمًا واقتصادًا وسياسة من خلال زوارها الأجانب، وكذلك عن طريق المبتعثين الذين مدُّوا جسور العلاقات والصداقات معهم. للابتعاث إلى الخارج عائدات ثقافية واجتماعية ومعرفية يكسبها من المجتمع الجديد بالنسبة له.

لقد لمستُ من المبتعثين السعوديين في الولايات المتحدة على وجه الخصوص الرغبة في تحمّل المسؤولية والتعاون والتكاتف والجدية والتكيف مع الظروف المختلفة والبيئة المحيطة بهم، ناهيك عن تحصيلهم العلمي العالي. إن تحمّل المسؤولية من أبجديات تكوين الشخصية الجادة في سوق العمل السعودية، بل تُعد سمة شخصية للقياديين في الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية.

وإذا كانت الشركات السعودية تتذمر من عدم جدية الباحثين عن العمل من السعوديين فإن هذه الحجة ليست قوية بتخرج المبتعثين من الجنسين وانخراطهم في سوق العمل الذي تهيمن عليه العمالة الوافدة.

ومن الضروري أن تكون بيئة التعليم في المملكة محفزة على التعلم وتحمّل المسؤولية وترسيخ قيم العمل الصحيحة، كما هو الحال في البيئة التعليمية في الدول المتقدمة والنامية. للأسف أن بيئة العمل في المملكة بشكل عام غير مشجّعة. تساهم الأسرة والنظام التعليمي والقطاع الخاص في قصور التعليم.

وقد نلقي اللوم أكثر على النظام التعليمي السائد في المملكة، والذي لا يهتم بجوانب الإبداع والتحفيز لبناء كوادر وطنية تناسب سوق العمل وتلبي احتياجاته في شتى المجالات.

من المؤكد أن بيئة التعليم في معظم جامعات الدول الصناعية المتقدمة والنامية تشجع الطلاب على التعلم وتحمّل المسؤولية والبحث والتطوير العلمي والتحليل، بينما معظم جامعاتنا ومدارسنا لا تزال تمارس الحفظ والتلقين بعيدًا عن التعلم الإبداعي.

وإذا كانت مخرجات التعليم غير مناسبة لسوق العمل، ناهيك عن ضعف ثقافة العمل وقيَمه بين الشباب فإن الباحث عن العمل لن يجده. ومن الجدير هنا الإشارة إلى أن بيئة العمل في المملكة لا تزال بيئة غير مشجعة على الإبداع، ويعتقد أرباب العمل أن التقصير من الشباب، بينما هم يحققون الأرباح على حساب الاقتصاد بتوظيفهم الأيدي العاملة الوافدة برواتب يعتقدون أنها منخفضة، بينما هي في الحقيقة عالية إذا وضعوا جميع التكاليف في المعادلة.

كلية الأعمال KFUPM

@dr_abdulwahhab