ترجمة: إسلام فرج

واشنطن تتخبط بين الإنكار والتكيف وسط خشيتها من صعود بكين

تساءلت مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية عن سبب خشية الولايات المتحدة من صعود الصين.

وبحسب مقال لـ «بول هير»، وهو زميل غير مقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، فإن إدارة بايدن مُحقة في وصف الصين بأنها تخوض منافسة شديدة مع الولايات المتحدة.

وتابع: لكن صلابة التحدي لا تنبع فقط من طموحات بكين العالمية، والموارد الهائلة، والتكتيكات القاسية، والعقلية الشيوعية.

وأشار إلى أن المنافسة بين البلدين شديدة أيضًا لأن الولايات المتحدة قد أهدرت من طرفها الكثير من قدراتها التنافسية، ولا تقدم أفضل ما لديها في الملعب، بل على العكس تمامًا.

وأضاف: مزاياها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية في خطر، سياساتها تشهد استقطابًا وخللًا، ونسيجها الاجتماعي آخذ في التآكل.

الانشغال بالتحدي

وأوضح الكاتب أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تسعى للتعامل مع هذه الثغرات، إلا أن زيادة الوعي بها تقودها إلى مزيد من الانشغال بالتحدي الصيني، وميل إلى المبالغة في طبيعته ونطاقه، مشيرًا إلى أن ذلك أدى إلى تضخيم التصورات حول هذا التهديد، وبالتالي إلى ميل لإلقاء اللوم على بكين في المشكلات التي تحدث إلى حد كبير في الولايات المتحدة.

وبحسب الكاتب، استقرت سردية واشنطن على أن الاقتصاد الأمريكي خسر الوظائف لصالح الصين.

وتساءل: هل يمكن إلقاء اللوم على الصينيين في فقدان الوظائف الأمريكية عندما نقلتهم الشركات الأمريكية طواعية سعيًا وراء الميزة النسبية التي تقدمها الصين من حيث العمالة وتكاليف التشغيل؟

وأضاف: من الصحيح أيضًا أن الدبلوماسية الاقتصادية لبكين، لا سيما في إطار «مبادرة الحزام والطريق»، تسجل بشكل انتهازي نقاطًا ضد الولايات المتحدة، غالبًا على حساب الممارسات التجارية الشفافة والحوكمة الرشيدة في البلدان التي تستهدفها الصين، لكن الولايات المتحدة لا تقدم لتلك البلدان العديد من البدائل القابلة للتطبيق أو الجذابة من حيث مستويات مماثلة من الاستثمار في البنية التحتية والمساعدات المالية.

ومضى يقول: كما نشأت مخاوف بشأن «عمليات التأثير» التي تقوم بها بكين في الولايات المتحدة، التي وُصفت بأنها «سرية أو قسرية أو فاسدة» وتستهدف تقويض المؤسسات الديمقراطية وحرية التعبير وحتى سيادة الولايات المتحدة، لكن هذا يضخم بشكل صارخ نوايا بكين وإمكانية نجاحها.

تعزيز موقف

ونبّه الكاتب إلى أن مجتمع الاستخبارات الأمريكية خلص إلى أن جهود التأثير التي بذلتها بكين خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 كانت تهدف إلى تشكيل التصورات وتعزيز موقف الصين العالمي، وليس تغيير نتائج الانتخابات فعليًا.

وأوضح أنه إذا كانت أنشطة التأثير العلني للصين تنجح في كسب القلوب والعقول اعتمادًا على مدى حساسية الأمريكيين حقًا للدعاية الصينية، فهذه نقطة ضعف أخرى محلية تتضح بالفعل في تبنّي الولايات المتحدة للمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة على نطاق واسع.

ونقل عن الباحثة سوزان شيرك، المتخصصة في الشأن الصيني، قولها: الضرر الذي يمكن أن نسببه لمجتمعنا من خلال ردود فعلنا المفرطة لعمليات التأثير الصينية أكبر بكثير من الضرر الذي تسببه تلك العمليات.

وأضاف: في الآونة الأخيرة، أبرزت التطورات الصينية في الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ونشر الأسلحة النووية، والذكاء الاصطناعي، كل هذه تشكل تحديات خطيرة للولايات المتحدة تحتاج إلى مواجهتها، لكن المخاطر مبالغ فيها عندما يجتمع امتلاك بكين للقدرات العسكرية مع نوايا عدوانية، أو عندما يُفترض أنها مصممة على تأكيد التفوق العالمي في كل قطاع.

وشدد على أن خوف الولايات المتحدة من أن تتفوق عليها الصين في هذه القطاعات يرجع جزئيًا إلى التآكل الأخير للمزايا الأمريكية منذ فترة طويلة من خلال عدم الانتباه، ووجود أولويات في غير محلها، أو قيود على الموارد.

تقديم نموذج

وأضاف المقال: تتحدى الصين مكانة الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة والأكثر ثراءً والأكثر نفوذاً في العالم والزعيم المفترض للنظام الدولي، كما أنها تقدم نموذجها الحاكم للاشتراكية الاستبدادية كبديل قابل للتطبيق للديمقراطية، وهي تحشد قطاعها الحكومي لتعظيم كل ميزة تنافسية صينية على الولايات المتحدة في التجارة والتكنولوجيا.

وتابع: لكن أيًا من هذه التحديات لا وجود له أو لا يمكن التغلب عليه، لا تسعى بكين إلى القضاء على قوة الولايات المتحدة وثروتها ونفوذها أو القضاء على الديمقراطية والرأسمالية، بدلاً من ذلك، فهي تسعى إلى عالم متعدد الأقطاب تكون فيه الصين أيضًا «زعيمة»، ومصالحها آمنة، وأن يكون نموذج حكمها مقبولًا ومشروعًا.

وأردف: مع ذلك، حتى هذه الرؤية تمثل تحديًا غير عادي للولايات المتحدة التي تتعثر نماذجها السياسية والاقتصادية، وتآكلت سمعتها الدولية، ولم تعُد مصالحها آمنة تمامًا.

ونبّه إلى أن نقاط الضعف هذه تؤدي إلى تضخيم التحدي الصيني إلى مسابقة محصّلتها صفر أو الفائز يأخذ كل شيء، حيث لن يجد أي من الطرفين التعايش مع النظام الآخر أمرًا مقبولًا.

سواء أكان أحدهم يؤيد فكرة أن الولايات المتحدة في حالة تدهور إستراتيجي نسبي أم لا، فمن الواضح أنها لم تعُد قوة مهيمنة عالمية يمكنها تحديد شروط مشاركتها مع بقية العالم كما تشاء.

الترويج العلني

ولفت إلى أن إحجام الرئيس جو بايدن عن الترويج العلني للتعاون مع الصين، باستثناء عدد قليل من القضايا مثل تغيّر المناخ، ربما يعكس الرغبة في تجنب الظهور بمظهر متكيّف أو ضعيف في التعامل مع بكين.

وأردف: لكن هذا ينطوي على مخاطر عواقب سلبية على المدى الطويل، على الرغم من أن التعاون الجوهري مع بكين سيكون أمرًا ضروريًا في نهاية المطاف، ويبدو أن بايدن غير مستعد لقبول المخاطر السياسية المحلية لمتابعتها أو على الأقل القيام بذلك صراحة ومحاولة الدفاع عنها وشرحها.

وتابع: على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تتفوق على الصين في كل مقياس تقريبًا للقوة الوطنية، إلا أن تضييق تلك الفجوة والمسارات الحالية للجانبين هو الذي يحدد الآن الديناميكية الإستراتيجية، بما في ذلك حسابات الدول الأخرى.

باختصار، هناك الكثير من الشكوك العالمية حول ما إذا كان يمكن للولايات المتحدة أن تؤكد بشكل مقنع أنها تقترب من الصين من «موقع قوة»، خاصة إذا كان هذا يعني الإشارة إلى أن واشنطن لها اليد العليا، وبالتالي يمكنها أن تُملي شروط العلاقات الأمريكية الصينية.

وأشار إلى أن إحساس أمريكا بالضعف الداخلي يؤدي إلى تفاقم المكوّن الأيديولوجي للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين.