علي بطيح العمري

جاء رجل إلى عالم وأخبره بأنه زنا بامرأة وحملت منه بالحرام! فقال له العالم: ويحك.. لقد ارتكبت جريمتين.. لماذا لم تعزل عنها حتى ﻻ ‌تبوء بإثم الولد فوق إثم الزنا؟ فقال يا إمام: بلغني أن العزل مكروه!!، قال: بلغك أن العزل مكروه ولم يبلغك أن الزنا حرام!!

ذكرتني هذه القصة بالوفد الذي جاء من العراق وقت الحج وسألوا الصحابي الجليل عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- عن دم البعوض إذا وقع على ملابس الإحرام، هل عليهم إثم؟! فقال ابن عمر: سبحان الله يا أهل العراق تقتلون ابن بنت رسول الله وتستحلون دمه (يقصد الحسين) وتسألون عن دم البعوض!!

الأرض ملأى بمثل هؤلاء المتناقضين.. يحرص على السواك -وهو سنة ولا شك- لكنه لا يكف لسانه عن أعراض الناس والحش فيهم.. يتظاهر بالورع لكنه يبتلع الملايين في ظل ورعه.. حريص على إطلاق لحيته لكنه مهمل في إطلاق الحلف لترويج بضاعته.. في العمل تأخذ منه صلاة الضحى قرابة الساعة على حساب المراجعين.. هؤلاء الذين يتشددون في السنة ويفرطون في الواجب.. ويتنزهون عن المباحات ويتعاطون المحرم هم يقدمون للآخرين تديناً مشوشاً ومغشوشاً.. ويتركون انطباعاً سيئاً عن الدين عند غير المسلمين.

يقول الشيخ أحمد ديدات: «أشرس أعداء الإسلام هو مسلم جاهل، يتعصب لجهله، بأفعاله، يشوه ويدمر صورة الإسلام الحقيقي، ويجعل العالم يظن أن هذا هو الإسلام»!

التوازن مطلوب في الحياة وفي التدين.. الواجب يظل واجباً وإن أهملته، والسنة تظل مستحبة وإن نشطت لها، فلا تقدم ما حقه التأخير، ولا تؤخر ما كان حقه التقديم.. وإياك أن تعسّر السهل الذي سهله الإسلام، ولا تسهل الأمر الذي شدّد الله جل جلاله فيه.

التدين المغشوش أو الشكلي والسطحي هو تدين يحمل صاحبه على إنشاء جدار فاصل بين شكله الداخلي والخارجي.. في التدين الشكلي، (الشيطان) يتوارى في ثياب (الإنسان).. التدين السطحي يحجب الحياة الروحية والأخلاقية حتى عن المتدين فيرى نفسه يحسن صنعاً وقد ضل سعيه في الحياة الدنيا.

وأختم بهذين البيتين لأبي العلاء المعري:

تَوَهَّمتَ يا مَغرورُ أَنَّكَ دَيِّنٌ

عَلَيَّ يَمينُ اللَهِ ما لَكَ دينُ

تَسيرُ إِلى البَيتِ الحَرامِ تَنَسُّكاً

وَيَشكوكَ جارٌ بائِسٌ وَخَدينُ

* قفلة..

قال أبو البندري غفر الله له:

(الدين) كالبوصلة.. تساعدك على معرفة اتجاهاتك الصحيحة!

@alomary2008