د. نورة الهديب

نعم، هو ذلك الإنسان الذي لا ينطق لسانه إلا بالفضيلة ويجتهد في النُصح والإرشاد ليُسلب قلوب المحيطين به، وليتمكن من تثبيت مسامير الكُرسي الذي يجلس عليه. نرى ظاهره وتُعجبُنا رزانته ونُنصِت لحديثه ونقتبس حكمته، حتى توهّمنا بوجوب تقديسه وتمكينه؛ لأنه تميز في تجسيد المعروف والصلاح بأسلوبه. ومن براعته في التمثيل وإتقانه دور الواعظ الجليل، خُيّل للبعض منّا أنه الأجدر في التكليف والأولى في حمل المسؤوليات على اختلافها، سواء كانت اجتماعية أو صحية أو تعليمية أو غيرها.

للأسف الشديد، هذا النوع من البشر وأمثاله يعيشون بيننا ويبثون سمومهم الفكرية وفسادهم الأخلاقي بطُرق مُلتوية ومُغلّفة برداء الفضائل والقيم النبيلة.

وأحياناً، يتّخذون لهم مظَلّات لتُخفي خُبث أفكارهم ونواياهم وتتعدد المظلات وأشكالها واللئيم منهم يختار ما يتناسب مع رغباته وظروف بيئته.

أولاً، مظلَّة التربية والإرشاد لا تُفارق المُضطربين من البشر والذين تدفعهم رغباتهم إلى مخالفة الفطرة أو المبادئ والقيم الرفيعة، إما بالأقوال أو الأفعال. فالبعض اتّخذ من هذه المظلة أداة حماية ليُمارس اضطراباته السلوكية في مزاولة الرذيلة.

ثانياً، مظلَّة الفِكر والثقافة والتي يتّخذها من شَذّ فِكرُه عن فِكْر محيطه ليطرح من خلالها ضلالة فلسفته، وذلك من خلال مظلّته والتي يُقدِّسها الجهلاء والحمقى.

ثالثاً، مظلّة الدِّين التي استغل بعض من أصحابها اسم الدِّين ومفاهيمه التي قُلِّصَت لتتوافق مع رغباتهم وأطماعهم. والتركيز على عواطف الناس في المجتمعات المُحافظة وتجارة الوهم باسم الدين، كانت الأسلوب الأسهل في انتشار أصحاب هذه المظلَّة. في حين أن أصحاب العِلْم والفُقهاء منهم يجتهدون في توعية عقول الناس وتذكيرهم بواجبات الطاعة بالطُرق التي شرعها الله سبحانه. ولكن للأسف، تداخلت المفاهيم وتغالطت وانتهز البعض الفجوات الفكرية ليعبثوا بالمُعتقدات ويُشككوا في أصولها.

رابعاً، مظلَّة الوطنية التي يتبنى -عادةً- أصحابها قضية الوطن ويبالغون في أطروحاتهم ليُخفوا فسادهم على أنواعه. وبعض من هؤلاء يتّخذون من الفساد منهجًا لهم ويستخرجون من وطنيتهم المُزيّفة تلك العبارات التي تُخْفِي فسوقهم وتُبرّر كيدهم.

الخائن لا شرف له، وَكُل أصحاب هذه المظلَّات وغيرها، تتغلّف أفعالهم وأقوالهم بالصلاح، بينما يكمن الفساد في بواطنهم. وبفضل من الله تعالى، كانت يقظة القيادة الرشيدة راصدة وعادلة -بإذن الله-، واستجداد الأنظمة والقوانين التي تتناسب مع متغيرات الزمن والأحوال كشفت لنا الكثير من المظلّات وأصحابها المنافقين. الوعي القيادي الذي شجَّع المواطن على المشاركة في دحر الفساد وكشف عملائه، زاد من كمية العطاء الوطني بالنسبة للوطن والمواطن وحتى المُقيم.

@FofKEDL