محمد علي الحسيني

في زيارة قمت بها إلى لندن، لفت نظري ساعة«بيغ بن» المشهورة وتساءلت حينها عن مدى اهتمام البريطانيين بالوقت، ليشيدوا ساعة كبيرة بهذا الحجم وسط لندن يشاهدها أغلب من في المدينة، لتشكل معلما ثقافيا وتراثيا للمدينة، والمؤكد أن الغاية منها لم تكن فقط مجرد معرفة الوقت، ولكنها رمز يعكس أهمية الوقت في حياة الناس هنا، فكل دقيقة لها فائدتها ومكانتها واحترامها، ولا يجوز أن تذهب أو أن تضيع جزافا، كما للوقت احترامه وعليه تتوقف مواعيد الناس واتفاقياتهم.

الوقت محور حياة الإنسان

أولى الإسلام اهتماما بالغا بالوقت وكيفية استثماره واستغلاله لما له من أهمية قصوى في حياة البشر، لذلك فإن من الأمور المهمة التي يسأل عنها الإنسان، عن العمر والشباب أين وفيما قضاه، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «يسأل ابن آدم يوم القيامة عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه...».

ولا ننسى أن الله عز وجل أقسم بالوقت لأنه محور حياة الإنسان كما جاء في قوله تعالى: «والضحى والليل إذا سجى» وقوله: «والعصر»، وغيرها من الآيات الكريمة التي أقسم فيها المولى جل جلاله بالوقت ليؤكد للناس على أهميته في حياتهم.

كما لا يخفى علينا أنه لولا قيمة الوقت في منظور الإسلام لما سأل الله عنه وما حاسب عليه الإنسان، فتضييع الوقت هو إهدار للعمر وتفويت الفرص لكسب جميع الأشياء ذات القيمة في الحياة.

عمل الصالحات خير استغلال للوقت

لا شك أن السعيد من سعد في الدنيا وفي الآخرة، باستغلال أوقاته فيما يرضي الله عز وجل، وشقي من شقي في استغلال أوقاته فيما يسخط الله عز وجل، ولهذا فإن من الطبيعي والمنطقي، أن يسأل الإنسان عن عمره قبل أن يسأل عن علمه، وقبل أن يسأل عن عمله، وقبل أن يسأل عن ماله، فالوقت هو وسيلة تحصيل العلم والعمل وخدمة العباد ونفع العباد، وهو الذي يوصلنا إلى بر الأمان ما التزمنا بتقديره واحترامه وحسن استغلاله وهو أيضا من يوقعنا في حفرة الهلاك إذا ما أسأنا إدارته وحسن تدبيره، فهو سلاح ذو حدين، لذلك قال الحكماء قديما: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك».

إن الإنسان لا يسأل عن شبابه كمرحلة في عمره، بل إن السؤال يشمل كل مراحل الحياة بما فيها الكهولة والشيخوخة، لأنها كلها محطات يمر بها الإنسان وكل مرحلة لها قيمتها ودورها، لذلك ينبغي استثمار مراحل العمر المختلفة لتحقيق مختلف الأهداف فالوقت عابر لكل تلك المراحل، لذلك يقول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «بادروا بالأعمال قبل حلول العواقب»، فمن كان سليما معافى وأهمل الوقت ولم يقبل على عمل الصالحات وأعمال البر وكل ما فيه خير للإنسانية فقد خسر، وطوبى لكل إنسان جعل لحياته منهجا قويما تعبر من خلاله دقات الزمن وهي شواهد تؤرشف كل أعماله التي تستفيد منها أجيال وأجيال.

@sayidelhusseini