لو سألت طفلا صغيرا عن تعريف السعادة لربما قال لك: هي في اللعب والألعاب، ولو سألت مراهقا لقال: هي امتلاك سيارة فارهة. وحين تخاطب شابا مقبلا على الحياة سيرى أنها تقع بين الوظيفة المرموقة وتكوين الأسرة.
إن كل هذه الأشياء هي جزء من أمنيات لفترة محدودة من الزمن، ولكن الألويات والأماني تتغير مع التقدم في العمر. ولذلك جاء في الحديث النبوي الشريف: «قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: طول الحياة، وحب المال». هذان الحاجتان هما أقصى ما يتمنه الإنسان لأنهما تجلبان الألعاب والسيارات والوظيفة والأسرة. ولأن إبليس اللعين كان يعرف اللعبة جيدا، فقد كان متلطفا وناصحا، وأثار العقل والعاطفة معا، ففي الآية: «فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى». فكل بني آدم يعشقون الخلود وحب تملك الأشياء. والسؤال المنطقي هل فعلا هذان الأمران (طول العمر والمال) يضمنان السعادة؟! وسبب حديثنا عن الموضوع هو أن «اليوم الدولي للسعادة» كان يوافق (20) من الشهر الحالي مارس.
وبناء على ما سبق، هل طول العمر يجلب السعادة؟ والجواب لا! فقد رأينا أناس عمروا طويلا لكنهم لم يكونوا سعداء. ولو كان المال يجلبها لأصبح كل الأغنياء بلا استثناء سعداء! ولكن الواقع غير ذلك.
وفي هذا الإطار يرى بعض الفلاسفة أن الحياة أصلا ليست مقرا للسعادة، ومنهم الفيلسوف الألماني شوبنهاور، الذي لقب بالمتشائم، حيث يرى أن الحياة عبارة عن معاناة وتعاسة وشقاء دائم، بل يرى أن الانتحار هو أمر مبرر للشخص، الذي يعيش تحت ألم مستمر وقاسٍ لا يحتمل، وقد جانب الفيلسوف الصواب في هذا الرأي. وعلى النقيض كان الفيلسوف اليوناني (ديمقريطس صاحب نظرية الذرة) يلقب بالضاحك، لأنه كثير الضحك والابتسامة، فكأنه يمثل الجانب المتفائل من الحياة.
وأما من الناحية العلمية والكيميائية، فهناك عدة هرمونات مؤثرة في الشعور بالسعادة، وأهمها هرمون (السيروتونين)، حيث له دور في تنظيم المزاج والنوم والشهية. وقد لوحظ أن الكآبة تزداد حين يقل هذا الهرمون. وهو يتحسن عند التعرض لأشعة الشمس، ومع النشاط البدني. ومن مصادره الطبيعية: (الجوز والأناناس والموز والبرقوق والطماطم والكاكاو).
وعلى وجه العموم، دعونا نتفق أن السعادة هي الغاية التي نبحث عنها ونريدها، ولكن الواقع أن الحياة لا تخلو من الكدر والمشاغل، وأنواع من المصائب والمحن. وهذه المنغصات تخلق مشاعر سلبية تؤثر على راحة الإنسان، وتقلل من شعوره بالسعادة. ومسألة التخلص من المشاعر السلبية نهائيا ليست ممكنة أبدا لأنها جزء من تفكير الإنسان! والحل يكون في كيفية التعامل معها بواقعية لا بالمثالية.
والأمر الأهم أن السعادة شعور داخلي مستقر، أما المتعة والفرح والراحة، فهي مسائل متغيرة ومتذبذبة. إن السكون الداخلي لما يحدث من حولنا من متغيرات وأحداث لا تسير على هوانا هو الهدف المنشود. وأجزم يقينا بأن وصية الرسول -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس -رضي الله عنهما- قد أصابت كبد الحقيقة وهي: «فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا». أي هو التسليم والرضا بعد بذل ما نستطيع من الأسباب.
والخلاصة هي أن سر السعادة يكمن في الهدوء والطمأنينة في التعامل مع كدر الحياة، التي للأسف لا يحسنها إلا القلة منا!! وصدق الله سبحانه وتعالى حين قال: «وقليل من عبادي الشكور».
abdullaghannam@
إن كل هذه الأشياء هي جزء من أمنيات لفترة محدودة من الزمن، ولكن الألويات والأماني تتغير مع التقدم في العمر. ولذلك جاء في الحديث النبوي الشريف: «قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: طول الحياة، وحب المال». هذان الحاجتان هما أقصى ما يتمنه الإنسان لأنهما تجلبان الألعاب والسيارات والوظيفة والأسرة. ولأن إبليس اللعين كان يعرف اللعبة جيدا، فقد كان متلطفا وناصحا، وأثار العقل والعاطفة معا، ففي الآية: «فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى». فكل بني آدم يعشقون الخلود وحب تملك الأشياء. والسؤال المنطقي هل فعلا هذان الأمران (طول العمر والمال) يضمنان السعادة؟! وسبب حديثنا عن الموضوع هو أن «اليوم الدولي للسعادة» كان يوافق (20) من الشهر الحالي مارس.
وبناء على ما سبق، هل طول العمر يجلب السعادة؟ والجواب لا! فقد رأينا أناس عمروا طويلا لكنهم لم يكونوا سعداء. ولو كان المال يجلبها لأصبح كل الأغنياء بلا استثناء سعداء! ولكن الواقع غير ذلك.
وفي هذا الإطار يرى بعض الفلاسفة أن الحياة أصلا ليست مقرا للسعادة، ومنهم الفيلسوف الألماني شوبنهاور، الذي لقب بالمتشائم، حيث يرى أن الحياة عبارة عن معاناة وتعاسة وشقاء دائم، بل يرى أن الانتحار هو أمر مبرر للشخص، الذي يعيش تحت ألم مستمر وقاسٍ لا يحتمل، وقد جانب الفيلسوف الصواب في هذا الرأي. وعلى النقيض كان الفيلسوف اليوناني (ديمقريطس صاحب نظرية الذرة) يلقب بالضاحك، لأنه كثير الضحك والابتسامة، فكأنه يمثل الجانب المتفائل من الحياة.
وأما من الناحية العلمية والكيميائية، فهناك عدة هرمونات مؤثرة في الشعور بالسعادة، وأهمها هرمون (السيروتونين)، حيث له دور في تنظيم المزاج والنوم والشهية. وقد لوحظ أن الكآبة تزداد حين يقل هذا الهرمون. وهو يتحسن عند التعرض لأشعة الشمس، ومع النشاط البدني. ومن مصادره الطبيعية: (الجوز والأناناس والموز والبرقوق والطماطم والكاكاو).
وعلى وجه العموم، دعونا نتفق أن السعادة هي الغاية التي نبحث عنها ونريدها، ولكن الواقع أن الحياة لا تخلو من الكدر والمشاغل، وأنواع من المصائب والمحن. وهذه المنغصات تخلق مشاعر سلبية تؤثر على راحة الإنسان، وتقلل من شعوره بالسعادة. ومسألة التخلص من المشاعر السلبية نهائيا ليست ممكنة أبدا لأنها جزء من تفكير الإنسان! والحل يكون في كيفية التعامل معها بواقعية لا بالمثالية.
والأمر الأهم أن السعادة شعور داخلي مستقر، أما المتعة والفرح والراحة، فهي مسائل متغيرة ومتذبذبة. إن السكون الداخلي لما يحدث من حولنا من متغيرات وأحداث لا تسير على هوانا هو الهدف المنشود. وأجزم يقينا بأن وصية الرسول -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس -رضي الله عنهما- قد أصابت كبد الحقيقة وهي: «فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا». أي هو التسليم والرضا بعد بذل ما نستطيع من الأسباب.
والخلاصة هي أن سر السعادة يكمن في الهدوء والطمأنينة في التعامل مع كدر الحياة، التي للأسف لا يحسنها إلا القلة منا!! وصدق الله سبحانه وتعالى حين قال: «وقليل من عبادي الشكور».
abdullaghannam@