بدر الصيوان

نجد الكثير من أصحاب رؤوس الأموال عند البدء بأي مشروع أو عمل يعطون جُلّ اهتمامهم بالبحث عن أراضٍ لمشاريعهم وأماكن لصالات العرض الخاصة بمنتجاتهم، ويتحملون الكثير من التكاليف للبناء والآلات والمواد الأولية والتسويق، ولكن سرعان ما يجدون أنفسهم يتكبّدون الخسائر الباهظة، التي يمكن أن تخرجهم من السوق، فيجلسون بعدها ليبحثوا في الحلول التي يمكن أن تنتشلهم من مأزقهم، ولكن بعد فوات الأوان.

ولكن دعونا نفكر بصوت عالٍ لماذا حدث كل هذا؟؟

إذا كان جوابك عزيزي القارئ أن السبب هو عدم التخطيط ودراسة السوق وحاجاته، فأنت قد أصبت عين الهدف، ولكن مَن سيقوم بكل هذا؟

وطبعًا لا أقصد في مقالي هذا التقليل من شأن باقي التفاصيل أعلاه من أهمية مصادر التوريد وجودة الآلات والمواد الخام، لكنها بالمحصِّلة لن تفيد عندما تقع الفأس بالرأس، كما يقول المَثل، أو كما يقول المَثل النجدي (الشق أكبر من الرقعة).

فعندما نريد أن نذهب لرحلة استجمام مثلًا أو إلى أي مكان آخر ترانا نضع الخُطط لاحتياجاتنا من الطعام والشراب، ونحضر الخرائط لكي نختار الطريق الأفضل، ونبحث في نشرة الأرصاد الجوية عن اليوم الأفضل للخروج، ويمكن حتى أن نستعين بمرشد سياحي أو خبراء في تنظيم هذه الرحلات، فما بالك عندما تقرر البدء بمشروع تجاري يكلفك الملايين أو مئات الملايين، وتبخل عليه بالدراسات والاستشاريين، الذين لديهم الخبرات والدراسات للسوق وحاجته، وطرق التعامل مع المنافسين وإدارة الأزمات الطارئة، ولا يكلفونك حتى 1 % من أي خسارة محتملة!!

فقبل البدء بأي مشروع أو نشاط، لابد من وضع ما يُسمّى «دراسة الجدوى الاقتصادية»، التي بدأت فعلًا بعض الدول بفرضها على المُقبلين للبدء بمشاريعهم، والتي تُعرف بأنها أسلوب علمي لتقدير احتمالات نجاح فكرة استثمارية قبل التنفيذ الفعلي، وذلك في ضوء قدرة المشروع أو الفكرة الاستثمارية على تحقيق أهداف معينة للمستثمر، وبالتالي فإن دراسة الجدوى الاقتصادية تُعد أداة عملية تُجنب المشروع المخاطر، وتحمّل الخسائر، حيث يسبق الدراسة اتخاذ أي قرار استثماري، كما تسبق الدراسة عمليات التشغيل.

وعليه فإن دراسة الجدوى الاقتصادية هي الوسيلة، التي يتم بناءً عليها اتخاذ قرار الاستثمار المناسب الذي يُحقق الأهداف المنشودة وأداة لقياس احتماليات وفرضيات الربح والخسارة والفرص والتهديدات المحيطة بالمشروع.

ولا ينتهي دور الخبير أو الاستشاري بهذه الدراسة فقط، فالمستثمر الناجح لا ينتظر المشكلة حتى تقع ليبدأ بحلها، بل على العكس عليه أن يوظف أشخاصًا استشاريين خبراء ليتنبؤوا بهذه المشاكل والعقبات قبل وقوعها ويضعوا الخُطط الناجعة لمواجهتها.

ومن هنا جاءت أهمية الحوكمة والمدقق الداخلي، فقد ساهمت الأزمات والفضائح المالية والأخلاقية، التي تعرّضت لها العديد من الشركات الكبرى في العالم، والتي أدت إلى انهيار بعضها في إبراز الحاجة إلى الحوكمة من أجل تعزيز أنظمة الرقابة الداخلية وزيادة فعالية واستقلال نشاط التدقيق الداخلي من خلال إنشاء لجان التدقيق.

فبإمكاننا تشبيه دور الاستشاري في تشخيص المرض، ووصف العلاج بدور المستشار المالي في تشخيص الخلل في الأنشطة التجارية، وإيجاد حلول مناسبة.

فقد أحدث مفهوم حوكمة الشركات نقلة نوعية في أسلوب إدارة الشركات، وأسهم في تحديد الصلاحيات والسلطات والمسؤوليات التي تتمتع بها الإدارات التنفيذية، ومجالس الإدارات في الشركات بشكلٍ يضمن المساءلة ويعزز الشفافية والرقابة، وقد لاقى مفهوم حوكمة الشركات رواجًا كبيرًا خلال العقدين الأخيرين حتى اتسع نطاق تطبيق هذا المفهوم؛ ليشمل المؤسسات في القطاعَين الخاص والعام على حدٍ سواء.

وعليه يجب أن يعي صاحب المشروع، وأن يبدي حرصه على أهمية هؤلاء الاستشاريين كحرصه تمامًا على الربح وعدم الخسارة، فكما يقول المَثل: «أعطِ الخباز خُبزه ولو أكل نصفه»، وأنا أقول: أعطِ الاستشاري حقه وأهميته ولا تقلل من شأنه، لتكون الرابح الأول في مشروعك.

@baderalsiwan