محمد حمد الصويغ

أفكار وخواطر

أدبنا العربي ليس بمعزل عن الأساطير، فعودة إلى نشأة الأسطورة تضعنا أمام حقيقة مُسلَّم بها، وهي أن علاقة الأسطورة باللغة أدت إلى تأثير المناهج الأسطورية بمختلف مناحيها واتجاهاتها في الفكر الإنساني بشكل عام، ومن ثم فإن الآداب العالمية، ومنها الأدب العربي، تأثرت بها دون شك، ولعل العلاقة الوطيدة بين تلك الأساطير واللغة يسرَّت لنا تحديد طبيعة الأسطورة وأدوارها النقدية، إضافة إلى أن هذا اليُسر قد انكشفت معالمه في كثير من الأعمال النقدية الشهيرة بعلاقة أخرى لا تبدو مجهولة عند معظم المهتمين بالنقد بين الأسطورة والعقائد الدينية التصويرية، ولا شك في أننا قد نلحظ من خلال بعض المرئيات النقدية والأدبية الخاصة بالأساطير أن التاريخ لتلك المرئيات أو الحركات الأدبية بدأ مع الأدب اليوناني لتشبّعه بالحكايات الأسطورية أكثر من غيره من الموروثات التي ما زلنا نحتفظ بها، بمعنى آخر فإنني أستطيع القول باطمئنان إن الأدب اليوناني كان مؤهّلًا لاستقبال المناهج الأسطورية بطبيعتها وأسرارها، والتعامل معها بسهولة ويُسر، وقد أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول إن تلك الأساطير التي تأثرت بها الآداب العالمية قاطبة إنما جاءت كنتيجة طبيعية، وربما حتمية للذهن اليوناني في مرحلتَيه البدائية والمتحضرة.

وقد أدى ذلك إلى الوصول لبُعد آخر يبدو أكثر وضوحًا في كل الآداب اليونانية القديمة دون غيرها من الآداب العالمية المنتشرة، وأعني به مقدرة السلطة الأسطورية على الانسجام التام شكلًا ومضمونًا مع الفكر اليوناني القديم، وهي أن الفكر اليوناني رغم تحضّره كان فكرًا ذهنيًا خالصًا تميز بقدرته الخاصة على استيعاب قوانين المنطق وحقائق الفلسفة، رغم انغماسه في الرموز الأسطورية الغارقة في الأخيلة اللا معقولة والأحلام الغامضة، ولعل هذه المعلومة المحيّرة، التي تبدو واضحة بجلاء في الأدب اليوناني القديم، أدت بشكلٍ أو بآخر إلى الحد من الغرق في الأخيلة والأحلام بنسبٍ معيّنة، غير أن ذلك لا يعني بطبيعة الحال أن وظائف الأسطورة في العقلية اليونانية قد توقفت أو أصابها الفتور، فالذهنية اليونانية القديمة في الأصل كانت تقوم على الصراع بين الإنسان والقوى الخارقة في الكون، ولعل هذا الصراع في حد ذاته هو الذي ميَّز الفلسفة الحياتية في أدب الأسطورة اليوناني.

mhsuwaigh98@hotmail.com