محمد حمد الصويغ

أفكار وخواطر

يبدو أن الحداثة التي اقتبسناها من الغرب ضمن ما اقتبسناه من مذاهب أدبية لا تمتُّ إلى حداثة الغرب بصلة، فالاقتباس كان مشوَّهًا ولم يُنقل إلينا بأمانة ووضوح، أقول قولي هذا وأنا أطالع الآن سيرة «اليوت»، ويعتبر أكبر منظّر حداثي أوروبي أصله أمريكي، ولكنه إنجليزي المنزع والثقافة، وهذا المنظّر الذي ما زال دعاة الحداثة وأنصارها في عالمنا العربي يلهجون بأعماله وأفكاره، كان من أوسع المثقفين في عصره اطلاعًا على التراث الأوروبي بأسره، وأشدّهم التصاقًا بما خلَّفه الأدب الأوروبي من تراث عريض، وأشدهم حُبًّا لدراسة مزاياه وأبعاده الفكرية، وقد دافع هذا المثقف الحداثي وهو أحد المنظّرين للحداثة الأوروبية دفاعًا مستميتًا عن الأدب الإنجليزي القديم، وكان متحمِّسًا لدراسة التراث الأوروبي دراسة الفاحص المدقق مستكشفًا مجاهله ومُروِّجًا لمساراته ومتأثرًا بمعطياته الفنية والأدبية الجميلة، وكان «اليوت» يحاول الربط دائمًا بين الأدب والأخلاق أو كما قال الدكتور جليل كمال الدين في كتابه الشهير «دراسات أدبية» حينما تعرَّض لدراسة أفكار «اليوت» بالحرف الواحد، «وهو يعترف بأن الحكم على الأعمال الأدبية اقترن دائمًا بالماضي ولا يزال يقترن بالفكرة الأخلاقية».

فشتان بين مفهوم هذه الحداثة ومفهومها عند «أدونيس» زعيم الحداثيين في عالمنا العربي «الذي علَّم تلاميذه السحر».. فهذا الرجل يريد هدم التراث، وإسقاط كل ما هو قديم وجميل، فهذا هو الدكتور أحمد الشيباني يقول في تقديمه لكتاب الدكتور محمد خضر عريف «الحداثة.. مناقشة هادئة لقضية ساخنة» بالحرف الواحد، وقد كان أدونيس أوضح الحداثيين في مطالبته بإسقاط تراثنا العربي مستجيبًا في ذلك لنصيحة أستاذه - بولس نويا - الذي يخاطب أدونيس فيقول: لقد ذكرت في الأطروحة أن التراث هو بمثابة الابن ونحن نعلم أن الابن لا يستطيع أن يكتسب حريته ويحقق شخصيته إلا إذا قتل الأب، فعلى العربي أن يميت تراث الماضي في صورة الأب؛ ليستعيده في صورة الابن، وقد فعل أدونيس ما نصحه به أستاذه ومعلمه - بولس نويا - فأخذ يتنكر لتراثه العربي الجميل ويحاول اقتلاعه يائسًا من جذوره، فرؤية أدونيس لتراثنا العربي لا تختلف إطلاقًا في أشكالها ومضامينها عن رؤية مُعلّمه نويا، فهي رؤية حاقدة لا تعبّر إلا عن فكر شعوبي مريض.

mhsuwaigh98@hotmail.com