صالح الشمراني

قبل أكثر من ثلاثة عقود وهو يجوب بكاميرته جنبات محافظة العرضيات بحثاً عن لقطة مختلفة ـ لا يمكن لغيره اقتناصها ـ ليمنحها بحسه الإعلامي لمَن يهمه الأمر، لقد عاشت معه المنطقة المرحلة الأقوى والأجمل في عالم الإعلام من خلال (منتدى العرضيتين) الذي جعل منه منبراً للثقافة والخبر، والصورة المعبّرة، منحنا بمنتداه المتعة والحياة والأمل، فحظي بالنجاح والقبول؛ إذ كان صوت مَن لا صوت له، وأنيس وحشة لكل المغتربين في كل أصقاع الدنيا، إذ مكننا من رؤية العالم وأخباره وفنونه، ومنجزاته وهمومه، وإنسانه ومكانه، وكل تفاصيل الحياة بصورة ناصعة البياض لا يضاهي حُسنها إلا المحترفون.

إمكانات هائلة بجهودٍ ذاتية، إذ لا هدف له إلا رسم السعادة لنا، مما جعلنا ندين له إلى اليوم بتلك الثورة الإعلامية، التي تقدمنا بها ـ وبدون مبالغة ـ على محافظات أقدم منا عمراً وأكبر منا مساحة وأكثر سكاناً، فقد تحدى ظروف عصره ليجعلنا في مصاف أوائل المحافظات فكراً وثقافة ورياضةً.

توقفت المنتديات وكادت تغيب شمسها قبل سنوات، فساهم في أن يكون لكل قبيلة بالمنطقة منتدى يختص بأخبارها، لينتقل بكاميرته الصادقة لمرحلة أخرى عاشها معنا في ثورة الإعلام الجديد من خلال تغطياته هنا وهناك، ومطالباته بالخدمات بكل جرأة مؤدبة ساعدت في إيصال خدمات جديدة، وتشغيل أخرى متعطلة، بوقوفه بحياد بين المواطن وطلباته والمسؤول ومجهوداته، ليخرج لنا بمواد ذات صدى، ما زلنا كل ليلة ننام على ذكرياته كشاهد عصر على أثر إنسان، كان بمثابة مؤسسة إعلامية تتحرك بكل الاتجاهات دون كلل وملل ليساهم مع الجهات ذات الاختصاص للرقي بإنسان ومكان المنطقة، فالإعلام شريك الناجحين.

تضحيات وخسائر مادية وبدنية وإنهاك للجسد، بالسفر والسهر، يتحامل على تعبه حتى لا يشعرنا إلا بالقوة، التي استمددنا منها طاقة جعلتنا أحد كتّاب صحيفة «اليوم» العريقة كشاهد عصر له، وأمثالي كثيرون ممن تتلمذوا على حس إعلامه الراقي، الذي فتح للمنطقة آفاقاً ربما تفتقدها دول وليست مجرد مدن ومحافظات بالعالم.

في ظل تلك التضحيات بقي واقفاً بموهبته، شامخاً بأخلاقه وعفته ونظافته، وحتى لا يضعف، لا يشعرنا بتعبه، فكان ليلة الثلاثاء الماضية في جدة لتغطية حدث (عالمي) يجمع بين قبيلتين من السعودية والسودان صارت بينهما (السماوة) بعاداتها وتقاليدها وتفاصيلها الأصيلة في حفل خطابي تخلله الشعر والنثر والفصاحة والبلاغة وصور التلاحم بين الشعبين من خلال قصائد وطنية تغنت بقيادتنا الحكيمة وأبطالنا بالحد الجنوبي.

صلى المغرب والعشاء هناك، بعد تغطية ما زال يتداولها الجميع، على مستوى البلدين للحظة، ولكنه حينما غادر المكان وبمجرد وصوله لسيارته، غادر الحياة أيضاً، بسكتة قلبية أبكت كل مَن يعرفه..

توقيعي:

رحم الله حسان العرضيات الأستاذ حسن بن عبدالله العرياني، وأحسن الله عزاء المنطقة لفقده، (إنا لله وإنا إليه راجعون).