شيخة العامودي

رفيق دربي وحبيب ساعاتي ملجأ غضبي، وسر سعادتي، أحاديثه عزمي، ومنارة توكلي ونواة إصراري، في مجالسته تضاء روحي ويعكف بتحبب في محيطه بصري، وينصت بخضوع له سمعي ومع أحاديثه تتبدد الأحزان وتلتئم الجروح ويثمر الهم فرجا واستبشارا وتتبدل الذكرى الحزينة لآمال معقود في نواصيها المسرات، مصاعب الحياة وأطنان من وساوس الأقدار يذيبها حديثه في لحظات. معه تسمو نفسي، فهو رفيق ضعفي ومركز قوتي وملاذي في الانكسارات ويشد أزري، صاحبي إن كثرت المسرات منه أجمل قصص الحب حصدتها وأصدق نصائح الظفر نهلتها، هو فقط مَن يستطيع أن يشحذ هممي إن وهنت، وهو مصدر وقايتي من الشتات، هو مَن يبقي الأمل متوهجا لا ينطفئ أو يخفت نوره وهو مدرسة الأخلاق والمنهج، الذي إن جبت في وقفاته تغذت روحي بما هو نافع مفيد، هو بصيرة نافذة لا أحتاج سوى أن تكون نوافذ قلبي مشرعة لتستقبلها. القرآن جليس روحي وجنة قلبي وربيعه ومنزله حسبي وملاذي واعتمادي في آياته حل المعضلات، وروحي دونه كمستعمرات النمل الأبيض رغم مظهر تماسكها هشة كثيرة التجاويف فارغة الانحناءات مظلمة الأركان. في دروسه عبر رغم أن بعض البشر يرونها مجرد حكايات يفتوهم أن يقرأوا ما بين سطور قصة موسى -عليه السلام- ومَن وكزه ومات، لا يدركون قيمة الرضا والقناعة، التي قادها السخط إلى الغرور فأخرجت من الجنة إبليس وبدل أن يبادر للاستغفار مقرا بذنبه ليقول كمَن قال: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) الأنبياء 87، قال: (أنظرني إلى يوم يبعثون) الأعراف 14.

كما طمع بنيل تميز دون استحقاق الذي هشم معنى التفكير بالتقصير وسعر الغضب عندما رفض القربان فقاده الحسد لللإيذاء، وهكذا توالت الأحداث، فأصبح الغراب معلما لقابيل، وأمسى العقل الذي أشله الغضب طالبا عند طائر، فتحسر وقال: (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين) المائدة 31. البعض يمرون على الآيات ويدركون مواقع منابع الارتواء إلا أنهم يمرون عليها دون أن يسقوا أرواحهم العطشى، فيمضون تعصفهم الحياة يفوتهم مثلا نبع الأمل في قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) الضحى٥، ونبع أجورالصبر في قوله تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فصلت 35، ونبع يبلسم القلوب السليمة في قوله تعالى: (إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء 89، ونبع الأدعية، التي لم تترك فرعا من فروع الحياة إلا شملته بما أوجز وأحاط ونبع الوصايا كوصايا لقمان، وينابيع كثيرة ولو أخذوا منها رشفات لرأوا في حياتهم تبدل الحال ولصحبهم الرضا في كل الأحوال.

نعم جلساتنا مع مصحفنا كثيرة طوال العام، وفي رمضان يروي ذاكرتنا نبعا من ينابع القرآن، وهو نبع توثيق الأحداث فنتلوا على مهل قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) البقرة 185، فنأبى إلا أن يكون هذا الشهر شهر القرآن ونختار رفقته لنجالسه في السحر وبعد الفجر وفي ركعات القيام والتراويح والشفع والوتر، لنقرأ وخير ما نقرأ القرآن به ينصلح الحال، وعند البعث وفي القبر به يفرح بمشيئة الله المآل.

* عتمة

تعتم البصيرة، وأن بصر النظر، ويشتت عتمتها آية تقرأ بتدبر على مهل.

@ALAmoudiSheika