عبدالله العولقي

خلال الشهر الماضي، شنت الآلة الإعلامية الغربية هجوما ممنهجا من أجل شيطنة الكرملين وتحريض أوروبا والعالم ضده، ولا يخفى على أحد دور ماكينة الإعلام في توجيه الحروب والصراعات وقدراتها التي لا تقل عن الأدوار الحربية والعسكرية، ومن خلال تتبع ملامح الإعلام عموما نجد أن المتألق والحاضر على الساحة هو ذلك الإعلام الذي يستند على صناعة ممنهجة وقائمة على مراكز الأبحاث والدراسات العلمية، وفي ذات الوقت تجده مستعدا لأي أزمة طارئة كأحداث أوكرانيا الحالية والتي من خلالها شهدت الساحة الدولية صراعا إعلاميا وثقافيا محتدا بين روسيا والغرب.

فنظرة فاحصة تجاه الخطاب الأمريكي الغربي، والذي قسم العالم إلى قسمين، ديمقراطية وسلطوية، نجد أن مفهوم الديمقراطية يشتمل على الإعلام بكافة وسائله ومناهجه، وبما أن الأزمات دائما ما تظهر الوجه الحقيقي للشعارات، فقد بدا الإعلام الغربي خلال أزمته مع روسيا أسيرا للسلطوية المركزية الغربية وبعيدا عن أبجديات الديمقراطية، وبالتالي لا يختلف في تعامله مع الظروف والأحداث عمن سماهم الخطاب الغربي نفسه بالسلطويين، وهذه مفارقة عجيبة من مفارقات الذهنية والثقافة الغربية !!.

وعلى الرغم من خطورة الأوضاع في أوروبا إلا أن بعض الإعلام الأوروبي تجده بعيدا عن محاكاة الحدث الأوكراني، ففي فرنسا مثلا، تجد الإعلام الرسمي يصور الأزمة الأوكرانية كصراع بين الشرق والغرب بينما يمتلئ محتواه بقضايا الداخل كالانتخابات القادمة أو التضخم الاقتصادي، كما عمل الغرب في أوروبا وأمريكا على حظر القنوات البوتينية كروسيا اليوم وسبوتنك، وقامت شركات التكنولوجيا كجوجل وفيسبوك على منع الشركات الروسية من الاستفادة من خدماتها وإيراداتها، وفي المقابل يمارس الروس دورا إعلاميا مماثلا في تبرير موقفهم بأنها عملية عسكرية خاصة وليست حربا كما يروج لها الغرب.

كما لم تكتف صور الصراع الإعلامي بين الغرب وروسيا على الشؤون والقضايا الإعلامية من خلال تبرير المواقف، ففي هذه المرة تجاوزت الأزمة إلى الشؤون الثقافية أيضا، ونالت الأحداث من مبدعي روسيا وكتابها الكبار، فقد أصدرت بعض الدول الأوروبية قرارا بمنع تداول كتب المثقفين الروس حتى ولو كانوا من الماضي ومن درجة العيار الثقيل كليو توليستوي وفيودور دوستويفسكي وأنطوان تشيخوف وألكسندر بوشكين ومكسيم غوركي ونيقولاي غوغول وغيرهم من المبدعين العظام الذين أثروا المكتبة العالمية بروائع إنسانية خالدة !!.

كما تفاجأت الأوساط الفنية في أوروبا بقرار حظر الفنانين والمخرجين الروس عن حضور المهرجانات السينمائية الكبرى كمهرجان كان الفرنسي ومهرجان برلين الألماني، وهذه الحادثة استدعت بعض النقاد العرب إلى استحضار مقارنة مهمة وذكية حول علاقة الغرب بإيران، فعلى الرغم من الإرهاب الجلي الذي تستزرعه طهران في المنطقة والعالم وانتهاجها خطاب العداء المباشر للغرب إلا أن مهرجانات السينما في أوروبا وأمريكا لديها اهتمام متزايد بفناني إيران ومخرجيهم، ولا تتردد في توجيه دعواتهم لحضور تلك المناسبات كل عام، ودائما ما تخصص مساحة محددة للفن والسينما الإيرانية، ولعل هذه المفارقة تفسر لنا بعض الأمور والمسائل الخفية تجاه السياسة الغربية ومعايير تعاملاتها في منطقتنا.

@ALBAKRY1814