قد يبدو مثل هذا العنوان مضللا، إذ ليس هناك مقارنة بين القوة الاقتصادية للولايات المتحدة وروسيا، فالروبل لا يقارن بالدولار، بل إنه حتى لا يأتي ضمن سلة العملات التي نراها يوميا على شاشات التلفزة، وهي اليورو، والإسترليني والين الياباني. فالروبل لا يتناسب مع الإمكانات الإستراتيجية والطموحات السياسية، ناهيك عن القوة العسكرية لروسيا.
لكل حرب مهما صغر شأنها أم كبر منعطفاتها التي تنتج عنها مواقف جديدة، وأوضاع جديدة، من شأنها أن تؤثر على نتيجة الحرب، وإن لم يكن مخططا لها سلفا. وفي تطورات الحرب المستعرة (وإن كان يبدو أنها تتجه نحو الخمود) بين روسيا وأوكرانيا، قررت القيادة الروسية بيع منتجاتها من الطاقة بالروبل، وليس بالدولار، كما جرت عليه العادة قبل الحرب. ما قامت به روسيا من الناحية النظرية يعد خروجا على المألوف في سوق التعاملات المالية الدولية، وإذا ما تم تطبيق هذا القرار وأصبح أمرا واقعا، فإننا سنصبح أمام واقع إستراتيجي واقتصادي دولي جديد.
عالم اليوم معقد إلى درجة يصعب معها تحليل كل شاردة وواردة فيه. لكن ارتباط السياسة بالاقتصاد وبالعملة تحديدا كان وما زال محركا أساسيا للتاريخ. فقد رأى عبدالملك بن مروان بثاقب نظره، ضرورة سك عملة جديدة للدولة الوليدة آنذاك (الأموية) والتي ستصبح لاحقا الإمبراطورية الأكبر في تاريخ الإسلام. لقد كان لهذا القرار أثره الحاسم في ربط السياسة بالاقتصاد. فقد كانت الدولة آنذاك من الاتساع بحيث لم يمكن للدراخما البيزنطية أن تفي به، ناهيك عن العملة ذاتها، وما تحمله من رموز وكتابات على طرفي نقيض من مشروع الدولة الوليدة آنذاك. ومذ ذاك أصبح سك العملة مفصلا أساسيا في توثيق عرى الدولة سياسيا واقتصاديا في تاريخ الإسلام.
من المسلم به أننا نعيش في عالم سياسي ذي قطب واحد وهو ما ترتب عليه تبعية اقتصادية تعني في المقام الأول هيمنة الدولار باعتباره القطب الأوحد في سلة العملات الدولية. غير أن هذا الإعلان الجديد من روسيا إضافة إلى تصريح أعلى المسؤولين في المملكة بإمكانية بيع النفط للصين باليوان، وبدء بعض البلدان بتبني عملات أخرى غير الدولار في سوق التبادلات التجارية فيما بينها، ناهيك عن الصعود الصاروخي الهادئ للاقتصاد الصيني وعملته، يشير بلا شك إلى أن العالم على أعتاب انتقال نوعي في سوق العملات الدولية، وهو انتقال يترتب عليه حتما وإن على استحياء انتقال سياسي أيضا.
إن هيمنة عملة واحدة على اقتصاد العالم هو قرار فيه من السياسة بقدر ما فيه من الاقتصاد وفيه من الاقتصاد بقدر ما فيه من السياسة. وحدهم جهابذة السياسة والإدارة والاقتصاد قادرون على فك طلاسمه. كما أن المناداة بتعدد سلة العملات في التجارة الدولية مطلب ليس بالجديد. يبدو كل ما في الأمر أن هذه الحرب قد عجلت بحدوثه. بريكس (BRICS) تحالف كل من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، كان قد أعلن عن نفسه كبديل لهيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي في أول قمة عقدتها هذه الدول في عام 2009م. ليس من الواضح، على الأقل لدى العامة من الناس، مدى نجاح هذا التحالف في خلق توازن اقتصادي دولي، لكن مجرد إنشائه مؤشر واضح على ما يدور في كواليس الاقتصاد العالمي من محاولات لإحداث توازن دولي في السوق العالمية.
وعلى أية حال فإن العالم اليوم يمر بتغيرات جذرية وإن لم تطف نتائجها على السطح بعد. ولعله أنسب للعالم أن ينوع من سلاله الاقتصادية والسياسية أيضا. والسؤال الذي يطرح نفسه دائما في مثل هذه التحولات والاستقطابات أين موقع العرب منها. والجواب بطبيعة الحال مرهون بمدى وعي العالم العربي بذاته، وموقعه، في عالم لا بقاء فيه إلا للأصلح.
Hanih@iau.edu.sa
لكل حرب مهما صغر شأنها أم كبر منعطفاتها التي تنتج عنها مواقف جديدة، وأوضاع جديدة، من شأنها أن تؤثر على نتيجة الحرب، وإن لم يكن مخططا لها سلفا. وفي تطورات الحرب المستعرة (وإن كان يبدو أنها تتجه نحو الخمود) بين روسيا وأوكرانيا، قررت القيادة الروسية بيع منتجاتها من الطاقة بالروبل، وليس بالدولار، كما جرت عليه العادة قبل الحرب. ما قامت به روسيا من الناحية النظرية يعد خروجا على المألوف في سوق التعاملات المالية الدولية، وإذا ما تم تطبيق هذا القرار وأصبح أمرا واقعا، فإننا سنصبح أمام واقع إستراتيجي واقتصادي دولي جديد.
عالم اليوم معقد إلى درجة يصعب معها تحليل كل شاردة وواردة فيه. لكن ارتباط السياسة بالاقتصاد وبالعملة تحديدا كان وما زال محركا أساسيا للتاريخ. فقد رأى عبدالملك بن مروان بثاقب نظره، ضرورة سك عملة جديدة للدولة الوليدة آنذاك (الأموية) والتي ستصبح لاحقا الإمبراطورية الأكبر في تاريخ الإسلام. لقد كان لهذا القرار أثره الحاسم في ربط السياسة بالاقتصاد. فقد كانت الدولة آنذاك من الاتساع بحيث لم يمكن للدراخما البيزنطية أن تفي به، ناهيك عن العملة ذاتها، وما تحمله من رموز وكتابات على طرفي نقيض من مشروع الدولة الوليدة آنذاك. ومذ ذاك أصبح سك العملة مفصلا أساسيا في توثيق عرى الدولة سياسيا واقتصاديا في تاريخ الإسلام.
من المسلم به أننا نعيش في عالم سياسي ذي قطب واحد وهو ما ترتب عليه تبعية اقتصادية تعني في المقام الأول هيمنة الدولار باعتباره القطب الأوحد في سلة العملات الدولية. غير أن هذا الإعلان الجديد من روسيا إضافة إلى تصريح أعلى المسؤولين في المملكة بإمكانية بيع النفط للصين باليوان، وبدء بعض البلدان بتبني عملات أخرى غير الدولار في سوق التبادلات التجارية فيما بينها، ناهيك عن الصعود الصاروخي الهادئ للاقتصاد الصيني وعملته، يشير بلا شك إلى أن العالم على أعتاب انتقال نوعي في سوق العملات الدولية، وهو انتقال يترتب عليه حتما وإن على استحياء انتقال سياسي أيضا.
إن هيمنة عملة واحدة على اقتصاد العالم هو قرار فيه من السياسة بقدر ما فيه من الاقتصاد وفيه من الاقتصاد بقدر ما فيه من السياسة. وحدهم جهابذة السياسة والإدارة والاقتصاد قادرون على فك طلاسمه. كما أن المناداة بتعدد سلة العملات في التجارة الدولية مطلب ليس بالجديد. يبدو كل ما في الأمر أن هذه الحرب قد عجلت بحدوثه. بريكس (BRICS) تحالف كل من البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، كان قد أعلن عن نفسه كبديل لهيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي في أول قمة عقدتها هذه الدول في عام 2009م. ليس من الواضح، على الأقل لدى العامة من الناس، مدى نجاح هذا التحالف في خلق توازن اقتصادي دولي، لكن مجرد إنشائه مؤشر واضح على ما يدور في كواليس الاقتصاد العالمي من محاولات لإحداث توازن دولي في السوق العالمية.
وعلى أية حال فإن العالم اليوم يمر بتغيرات جذرية وإن لم تطف نتائجها على السطح بعد. ولعله أنسب للعالم أن ينوع من سلاله الاقتصادية والسياسية أيضا. والسؤال الذي يطرح نفسه دائما في مثل هذه التحولات والاستقطابات أين موقع العرب منها. والجواب بطبيعة الحال مرهون بمدى وعي العالم العربي بذاته، وموقعه، في عالم لا بقاء فيه إلا للأصلح.
Hanih@iau.edu.sa