ها هو رمضان أقبل علينا وهو خير زائر طال انتظاره. ومهما تعدد علينا قدومه على مر السنوات يظل في كل سنة كأنه أول لقاء لنا به، لا نمل من تكرار عودته، ولا نمل من الحديث عنه.
وهو يعود مع عودة الحياة إلى طبيعتها بعد جائحة «كورونا»، التي استمرت لما يقارب من العامين. و إن كانت لا تزال تطل برأسها بين الفينة والأخرى في بعض الدول.
ورمضان هذه السنة مختلف، فقد عاد التقارب بين الصفوف بعد تباعدها، وكم نحن في حاجة إلى تقارب الأرواح قبل الأجسام!. وعادت الأجواء التي كنا ننتظرها وفقدنها قبل سنتين، ونحن الآن نعرف قيمتها (فالإنسان لا يعرف قيمة شيء حتى يفقده!) إنها روح المساجد في رمضان وطمأنينتها، وصلاة التراويح ونفحاتها.
ومهما كان حالنا يظل دخول هذا الشهر الكريم له لمسة حانية على الأرواح والنفوس معا. وهي فترة من سنة يكون للنفس فرصة للتأمل والهدوء، وفيها لحظات للخلوة بعيدا على صخب الحياة المتزايد والمتسارع، حيث أصبحنا نجد صعوبة في التوقف للدقائق معدودة للسكون والراحة. فجاء هذا الشهر المبارك ليمنحنا فرصة لنرتفع قليلا عن الأرض ونحاول أن نقترب من رحمات السماء.
إن المتأمل للحياة الحديثة والعصرية يجدها تزيدنا يوما بعد يوم تعلقا بالماديات والمقتنيات والكماليات، فقد أصبحت حياتنا مادية صِرفة بكل أشكالها وأنماطها. وأصبحت التقنية تسيطر على حياتنا من كل صوب ولا نكاد نفرقها حتى في أوقات عباداتنا.
وها نحن أيضا طوال السنة نركض ونجري خلف زينة الحياة ومتطلباتها، وفي خضم ذلك الجري ننسى أنفسنا، فيعتري أرواحنا شيء من الجفاف والعطش، وقد تضيق الأرض علينا بما رحبت، ونشعر بأن طاقتنا النفسية والداخلية تُستنفد شيئا فشئيا، ليأتي هذا الشهر كالمنقذ للأرواح. إنه محطة وقود روحية ونفسية تزودنا بالطاقة ليكون دافعا لنا في المضي قدما ونحن أكثر إيمانا وأقوى صلابة من الداخل. فالجسم لا يستقيم والنفس لا تطمئن إذا فقدا غذاء الروح.
أضف إلى ذلك أن رمضان يأتي ليغير رتابة الحياة المتكررة، حيث نعمل طوال الأسبوع بنفس الطريقة، ونرتاد نفس الأماكن، ونرى نفس الوجوه. فالتغيير خلال هذا الشهر الكريم هو للتجديد والتنشيط من الرتابة، ومن التكرار ودوران في نفس الحلقة طوال السنة. هو شهر التغيير والإرادة.
صحيح أن الصوم في ذاته عبادة، ولكن أجسامنا قد تعبت أيضا من أطنان من الطعام والشراب، التي تلتهم طوال العام. والجسم كالنفس يحتاج إلى فترة راحة وتوقف يلفظ أنفاسه ويجدد نشاطه بالصوم وبالتوقف عن الأكل والشرب. فكما أن الأكل صحة، فالصوم كذلك.
ومن جماليات ودروس رمضان أنه يأتي في فصول مختلفة ومتباينة، فتارة يطل في الصيف، وتارة في الشتاء، ومرة في الخريف ومرة بالربيع. كأنه يقول لنا: إن الدنيا تدور، ولا يدوم لها على حال شأن. وأن نستعد لتقلبات الحياة، فهي لا تسير على نمط واحد. فأيام الحر للشدة والصبر، وأيام الربيع والبرد للحمد والشكر. وأما أيام الخريف للتأمل والفكر.
والدرس الآخر هو لذة انتظار مَن تحب، فكما أن للدنيا وزينتها عشاقا، فكذلك لرمضان الجميل عشاق ومحبون ينتظرون قدومه للأنس به، والبوح له. فلعل في انتظارهم أجر وسلوى، وذكريات ونجوى.
وأما رمضان، فيحق له أن يفتخر على غيره من شهور بقوله عليه الصلاة والسلام: «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلو لم يكن في فضله إلا هذا الحديث لكفاه!
abdullaghannam@
وهو يعود مع عودة الحياة إلى طبيعتها بعد جائحة «كورونا»، التي استمرت لما يقارب من العامين. و إن كانت لا تزال تطل برأسها بين الفينة والأخرى في بعض الدول.
ورمضان هذه السنة مختلف، فقد عاد التقارب بين الصفوف بعد تباعدها، وكم نحن في حاجة إلى تقارب الأرواح قبل الأجسام!. وعادت الأجواء التي كنا ننتظرها وفقدنها قبل سنتين، ونحن الآن نعرف قيمتها (فالإنسان لا يعرف قيمة شيء حتى يفقده!) إنها روح المساجد في رمضان وطمأنينتها، وصلاة التراويح ونفحاتها.
ومهما كان حالنا يظل دخول هذا الشهر الكريم له لمسة حانية على الأرواح والنفوس معا. وهي فترة من سنة يكون للنفس فرصة للتأمل والهدوء، وفيها لحظات للخلوة بعيدا على صخب الحياة المتزايد والمتسارع، حيث أصبحنا نجد صعوبة في التوقف للدقائق معدودة للسكون والراحة. فجاء هذا الشهر المبارك ليمنحنا فرصة لنرتفع قليلا عن الأرض ونحاول أن نقترب من رحمات السماء.
إن المتأمل للحياة الحديثة والعصرية يجدها تزيدنا يوما بعد يوم تعلقا بالماديات والمقتنيات والكماليات، فقد أصبحت حياتنا مادية صِرفة بكل أشكالها وأنماطها. وأصبحت التقنية تسيطر على حياتنا من كل صوب ولا نكاد نفرقها حتى في أوقات عباداتنا.
وها نحن أيضا طوال السنة نركض ونجري خلف زينة الحياة ومتطلباتها، وفي خضم ذلك الجري ننسى أنفسنا، فيعتري أرواحنا شيء من الجفاف والعطش، وقد تضيق الأرض علينا بما رحبت، ونشعر بأن طاقتنا النفسية والداخلية تُستنفد شيئا فشئيا، ليأتي هذا الشهر كالمنقذ للأرواح. إنه محطة وقود روحية ونفسية تزودنا بالطاقة ليكون دافعا لنا في المضي قدما ونحن أكثر إيمانا وأقوى صلابة من الداخل. فالجسم لا يستقيم والنفس لا تطمئن إذا فقدا غذاء الروح.
أضف إلى ذلك أن رمضان يأتي ليغير رتابة الحياة المتكررة، حيث نعمل طوال الأسبوع بنفس الطريقة، ونرتاد نفس الأماكن، ونرى نفس الوجوه. فالتغيير خلال هذا الشهر الكريم هو للتجديد والتنشيط من الرتابة، ومن التكرار ودوران في نفس الحلقة طوال السنة. هو شهر التغيير والإرادة.
صحيح أن الصوم في ذاته عبادة، ولكن أجسامنا قد تعبت أيضا من أطنان من الطعام والشراب، التي تلتهم طوال العام. والجسم كالنفس يحتاج إلى فترة راحة وتوقف يلفظ أنفاسه ويجدد نشاطه بالصوم وبالتوقف عن الأكل والشرب. فكما أن الأكل صحة، فالصوم كذلك.
ومن جماليات ودروس رمضان أنه يأتي في فصول مختلفة ومتباينة، فتارة يطل في الصيف، وتارة في الشتاء، ومرة في الخريف ومرة بالربيع. كأنه يقول لنا: إن الدنيا تدور، ولا يدوم لها على حال شأن. وأن نستعد لتقلبات الحياة، فهي لا تسير على نمط واحد. فأيام الحر للشدة والصبر، وأيام الربيع والبرد للحمد والشكر. وأما أيام الخريف للتأمل والفكر.
والدرس الآخر هو لذة انتظار مَن تحب، فكما أن للدنيا وزينتها عشاقا، فكذلك لرمضان الجميل عشاق ومحبون ينتظرون قدومه للأنس به، والبوح له. فلعل في انتظارهم أجر وسلوى، وذكريات ونجوى.
وأما رمضان، فيحق له أن يفتخر على غيره من شهور بقوله عليه الصلاة والسلام: «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلو لم يكن في فضله إلا هذا الحديث لكفاه!
abdullaghannam@