لمي الغلاييني

عندما يصبح الحب مرادفا للمعاناة والألم، وعندما تدور معظم محادثاتنا مع الأصدقاء حول الطرف الآخر، وعن مشكلاته وأفكاره ومشاعره، وعندما نستفتح كل عباراتنا تقريبا باسمه، فهذا معناه أننا نعاني من مشكلة التعلق في العلاقات. وعندما نبرر تقلب مزاجه، أو عصبيته، أو لا مبالاته، أو تعليقاته المهينة بوصفها ضغوط عمل، أو مشكلات طفولة مضطربة أو ظروف محيطة، ونحاول أن نكون معالجه النفسي، فمن المؤكد أننا غارقون في أزمة علاقة استنزافية ومشاعر تعلق مرضي، وعندما لا يعجبنا كثير من صفاته الأساسية وقيمه وسلوكياته، لكننا نتحملها، ونبذل جهودا أكبر من أجله، لاعتقادنا بأننا لو أصبحنا أكثر جاذبية أو أكثر اهتماما فسيرغب بالتغيير من أجلنا، وعندما تمثل علاقتنا خطرا على صحتنا النفسية، وسلامتنا الجسدية، فإننا نهدر سلامنا العاطفي برعونة، وعلى الرغم من كل هذا الألم وعدم الرضا، فإن الإفراط في التعلق والوقوع في علاقات مهووسة للغاية بالشريك هو تجربة شائعة بين العديد من النساء، لدرجة اعتقاد الكثير منهن بأنه من المفترض أن تكون هذه هي طبيعة العلاقات الحميمية، وبالرغم من أننا نتفق جميعنا على النفور من كلمة «إدمان»، التي تثير في مخيلتنا صور مدمني المخدرات، الذين يعيشون بوضوح حالة قصوى من التدمير الذاتي، إلا أن كثيرات من النساء العالقات في ذلك النوع من التعلق يمكن اعتبار وضعهم نوعا من الإدمان العاطفي، ولا نقصد أن النساء وحدهن يفرطن في الحب، فبعض الرجال يمارسون هذا الهوس في العلاقات بالإغراق نفسه، الذي تتبعه النساء، وقد يعود ذلك لنفس تجارب وديناميات الطفولة، التي يترتب عليها لاحقا الوقوع في علاقات التعلق المرضي، لكن معظم الرجال الذين تضرروا في طفولتهم لا ينشأ لديهم إدمان عاطفي لأنهم عادة ما يحاولون حماية أنفسهم وتفادي شعورهم بالألم من خلال ممارسات خارجية أكثر منها داخلية، وغير شخصية أكثر منها شخصية، وذلك بسبب الطبيعة البيولوجية والعوامل الثقافية، فهم يميلون إلى الهوس بالعمل أو الرياضة أو الهوايات، مما يجعل الإفراط في المشاعر والتعلق العاطفي تبدو كظاهرة نسائية، حيث تعاني العديد منهن من صعوبة إنهاء العلاقة على الرغم من المعاناة، وعدم ملاءمة الشريك، أو لا مبالاته، أو غياب تواجده، وعلى الرغم من ذلك يستمررن في الإفراط والتعلق والمزيد من الإدمان العاطفي، ولا يحدث ذلك مصادفة، فأغلب تلك النساء نشأن في أسر مضطربة لم تحقق لهن احتياجاتهن العاطفية، وبسبب افتقادهن للرعاية إلى حد كبير، فهن يحاولن إشباع هذه الحاجة، التي لم تتحقق لديهن من خلال رعايتهن للآخرين، وبسبب خوفهن الدائم من الهجر، فهن على استعداد لفعل أي شيء للحفاظ على العلاقة من الزوال، مما يدفعهن لبذل جهد أكبر لإرضاء الطرف الآخر، ولتحمل أكثر من نسبة خمسين في المائة من المسؤولية والذنب والشعور باللوم في أي علاقة، وحسب خبراء علم النفس، فالتعلق المرضي للأشخاص، الذين عانوا من مشاكل في الطفولة أو تعرضوا لصدمات نفسية قوية أو سوء معاملة، جعلتهم يفتقدون الحب والانتماء والقبول واحترام الذات، ليبحثوا عن هذه المشاعر عند الآخرين بدلا من أن تكون نابعة من داخلهم. ولم يتم إدراج التعلق المرضي أو إدمان الحب في الدليل التشخيصي للاضطرابات العقلية للآن. ومع ذلك يمكن أن يكون هذا الحب المهووس مؤشرا على مشاكل واضطرابات نفسية أخرى.

@LamaAlghalayini