أكابر الأحمدي – جدة

نقص المواهب وضعف الإنتاج وبرامج المسابقات السريعة وراء الاختفاء

اعتدنا على مدى سنوات طويلة أن تكون الفوازير «نجم» خريطة البرامج الرمضانية، التي تنشط العقل في البحث عن إجابات يحصل صاحبها على الجائزة، بالإضافة إلى بهجة ومتعة المشاهدة، لكن جاء الاختفاء المفاجئ ليفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات المتعددة حول الأسباب، فمن المتخصصين من أرجع السبب إلى اختفاء المواهب من الممثلين والمؤلفين والمخرجين وأيضا ضعف الإنتاج، بينما قال آخرون إن سطوة وسائل الإعلام الحديثة التي جعلت من الجوائز حدثا سريعا يحصل عليه المتسابق في نفس لحظة الإجابة عن الأسئلة، جعل الإقبال على مشاهدة الفوازير صعبا، بالإضافة إلى الانفلات الإلكتروني الذي مال بالطفل العربي عن شاشة التليفزيون باتجاه عدد هائل من المنصات المتنوعة التي وفرها جهاز الهاتف المحمول بشكل عشوائي.

ثقافة غائبة

قال الناقد مهدي عباس: برامج الأطفال غائبة تماما عن خريطة رمضان في العالم العربي من المحيط للخليج، وقد كان لها حيز مميز في برامج رمضان بالسنوات السابقة، وبرامج الطفل، خصوصا الفوازير كانت جزءا أساسيا من برامج رمضان تماما كالمسلسلات التاريخية والدينية التي اختفت أيضا في رمضان الحالي، وكان التليفزيون يهتم كثيرا بفوازير الأطفال لما فيها من فائدة ثقافية وفنية واجتماعية تسهم في تطوير عقلية الطفل ورفده بمعلومات مهمة في شتى المجالات، لذا كان يتصدى لهذه المهمة كتّاب كبار متخصصون في مجال الكتابة للطفل، وهذا يعني أن هذه الفوازير كانت تحتاج إلى كتابة خاصة، وإلى أطفال موهوبين يقودهم مخرج متميز وبإمكانات إنتاجية كبيرة.

وعن سبب توقف إنتاج هذه الفوازير، أضاف: يعود ذلك إلى عدة أسباب، أهمها عدم وجود المخرج والمنتج الذي يبذل جهدا كبيرا لاكتشاف مواهب صغيرة وتدريبها، وهذا يحتاج إلى وقت طويل،

لكننا أصبحنا «نسلق» الأعمال بأقصى سرعة ممكنة لعرضها في رمضان، بل إن بعض أعمالنا اليوم تصور قبل رمضان بأيام ويستمر التصوير في رمضان، لتخرج الحلقات من المعمل إلى العرض مباشرة، ومن الأسباب أيضا اختفاء الكتّاب المتخصصين في الكتابة للطفل هذه الأيام، كما أن إنتاج الفوازير يحتاج إلى إمكانات خاصة في الإنتاج، وتوفير أجواء وديكورات خاصة يتكاسل المنتجون عن توفيرها، ونتمنى أن يتم الاهتمام بهذا الموضوع مستقبلا، وأن يكون للطفل العربي حصة من برامج رمضان، خصوصا الفوازير.

تغير العصر

وأوضحت الكاتبة الروائية د. أروى خميس أنه لا علاقة بنقص الكتابة الإبداعية للطفل بفوازير رمضان، وقالت: الفوازير كانت رائجة للكبار والصغار في مختلف القنوات والمنصات، إنه فقط التغيير الذي يطال المنتج الثقافي على حسب تطور منصاته، هناك عدد كبير من برامج المسابقات، والمتسابق يمكنه الاتصال والمشاركة والفوز في نفس اللحظة، ما أدى إلى تلاشي فكرة المسابقة وإرسال حلولها وانتظار النتائج، ولعل هذا التغيير لم يطل فقط المنصات الإعلامية، ولكن أيضا أثر علينا وعلى أطفالنا حين تحول رتم الحياة وإيقاعها إلى منتهى السرعة.

استعراضات مبهرة

في حين تحدث الناقد السينمائي ناجح حسن قائلا: السنوات التي شكلت بدايات العمل التليفزيوني حملت برامج رمضانية متنوعة كانت تبث عبر الشاشة التليفزيونية التي كان يتابعها معظم الناس، كونها غدت سمة ثابتة ضمن فعاليات الشهر الفضيل، وركزت تلك الأعمال على تقديم جوائز رمضانية للمشاهدين بعد أن يضع القائمون على تلك البرامج أسئلة تتعلق بجوانب متعددة، لكن أبرز الفوازير التي انتشرت كانت تقدم في برامج التليفزيون المصري، وكانت تقدم في استعراضات مبهرة لفنانات مثل شريهان ونيللي، ظهرن في حركات وأغان وموسيقى متميزة، وفي إنتاج ضخم من ملابس وألوان وديكورات، واستمرت تلك الفوازير وظلت تتربع على الشاشات إلى وقت قريب شهد ذروة انتشار الفضائيات التليفزيونية، وحلت مكانها برامج وأعمال درامية مبهرة بإنتاجات ضخمة تكاد تغطي أغلبية البلدان، وهو ما غطى على البرامج المحلية وما تحفل به من مسابقات، كما أنها تتطرق إلى حياة النجوم وأخبارهم، فأصبح المتلقي يتابعها بنهم شديد، بيد أن ثمة نشطاء على اليوتيوب نجحوا مؤخرا في تقديم لوحات مشهدية وبرامج تقدم حوافز مالية للمارين هي أشبه بهبات وعطايا لحالات إنسانية.

الانفلات الإلكتروني

فيما يرى الشاعر مهدي النهيري أنه لا يمكن تحديد أسباب قلة البرامج التعليمية التليفزيونية، بما فيها «الفوازير الرمضانية»، إلا من خلال رصد التحولات الثقافية التي مر بها المجتمع العربي خلال العقود الخمسة الأخيرة، فإن إلقاء نظرة تاريخية على المهيمن الفكري الذي كان يتحكم في صياغة الأفكار، يكشف عن توحد الحكومات العربية بأهداف متشابهة يحكمها الفكر القومي، وهذا بطبيعته يقود إلى رسم فلسفة للدول العربية تتبناها وزارات الثقافة والإعلام في كل بلد، ومهما تباينت فلسفات الدول التربوية، بحكم ثقافة كل بلد، فإن سقفا أعلى كان هو الموجه الرئيس لها، وهو ربط المواطن العربي بتاريخه وثقافته وأبعاد مجتمعه الأخلاقية، سواء على مستوى التعاليم الدينية أو الثوابت القيمية للمجتمع.

وما حصل مؤخرا من تغيرات سياسية، أثر بشكل واضح على تغير الأهداف التي كانت مرسومة، ويمكن القول إن الأهداف اختفت أو تضاءلت، بل يمكن القول إن الانحراف الحاد في مصادر تلقي المعلومات وصناعتها أثر في شد المتلقي العربي، والطفل خصوصا، إلى منهج واحد أو عينة مخصصة من المعلومات، وينبغي ألا نغفل الانفلات الإلكتروني الذي مال بالطفل العربي عن شاشة التليفزيون باتجاه عدد هائل من المنصات المتنوعة، التي وفرها جهاز الهاتف المحمول بشكل عشوائي، فمن الطبيعي عندئذ ألا ينقاد الطفل باتجاه الفوازير التليفزيونية، بعد أن وجد عشرات البدائل الثقافية متوافرة بين يديه في كل وقت وفي كل مكان.

الفوازير بحاجة لإمكانات إنتاجية وممثلين موهوبين يقودهم مخرج متميز

التحولات الثقافية خلال العقود الخمسة الأخيرة غيرت الأذواق

تغيرات العصر حولت إيقاع الحياة إلى منتهى السرعة