أ.د. هاني القحطاني

من سمات اللغة العربية ما يسميه علماء اللغة الجناس، وهو أصناف، ويقصد به: تشابه لفظين مع اختلافهما في المعنى. حديثنا اليوم عن العلم والإعلام، بدون الخوض في تفاصيل بنائهما اللغوي أكان جناسا أم غيره.

معروف هو العلم ولا حاجة للتعريف به. أما الإعلام فهو الإخبار بالشيء، وهو وإن اشترك مع العلم في جذره اللغوي، إلا أن فحواه ومضمونه ورسالته مختلفة عن العلم. إن صيغة إفعال بكسر الهمزة عند دخولها على جذر الفعل «علم» تحمله إلى أبعاد أخرى. وهنا يصبح الفارق بين الاثنين جليا لا لبس فيه.

العلم كما يقول أرسطو جوهر. إنه مستقل بذاته. العلم علم، لا يتغير بغض النظر عن طالبه وناقله ومتلقيه. فقوانين نيوتن في الجاذبية هي هي، في كل أنحاء العالم، وكذلك علوم الرياضيات، والطب، والعلوم والهندسة، إلخ. العلم لا يقبل آراء تناقضه، فليس هناك رأي في مسألة تعاقب الليل والنهار، أو أن الشمس تشرق من المشرق، تماما كما حاج إبراهيم خصمه، كما ورد في القرآن الكريم. الحقيقة العلمية ليس هناك مجال لكي تكون مجالا للإعلام. هذان مثالان فقط، وبالإمكان ذكر المزيد.

أما في الإعلام، فالأمر ليس كذلك، وذلك لأن الإعلام جهاز توعوي يمكن قولبته لحمل رسالة توعوية (كما حدث مع جائحة كورونا) أو تثقيفية (تشجيع الناس على زيارة المتاحف) أو إرشادية (تجنب بطون الأودية عند نزول المطر) أو تعزيز الشعور باللحمة الوطنية في المناسبات الرسمية وهكذا. العلم ثابت، أما الإعلام فمتغير.

وكما أن للعلم أجهزته ومؤسساته من مدارس وجامعات ومعاهد وكليات تقنية أو أدبية.. إلخ، فإن للإعلام منابره. وفي سياق تكون المجتمعات والدول، فقد أصبح الإعلام مطلبا ضروريا من متطلبات التنمية. العلم ومؤسساته والإعلام ومنابره ركيزتان أساسيتان من ركائز المجتمع الحديث، فلا مجتمع متقدم بدون علم ولا مجتمع واع بدون منابر إعلامية. العلم جهاز تربوي، والإعلام جهاز توعوي، وهنا يكمن الفارق بينهما.

غير أن الخلط بين الاثنين مضر بكليهما. فعندما يكون العلم مجالا للإعلام يفقد أصالته، وعندما يكون الإعلام علما خالصا يفقد أساس وجوده ومضمونه وارتباط الناس به. من الممكن، بل قد يكون من الضروري أحيانا حضورهما معا، في مناشط ومناسبات اجتماعية أو ترفيهية، أما داخل الفصول الدراسية واستوديوهات الإعلام، فلكل مجاله الخاص. هنا لا يصلح أن يكون أحدهما بديلا عن الآخر، وذلك لاختلاف رسالة كل منهما، فلا يصلح الإعلام أن يكون بديلا عن الحقيقة العلمية، ولن يتقبل الناس خطابا علميا بحتا من منابر الإعلام.

الإعلام مؤدلج بغض النظر عن أيديولوجيته، التي قد تكون مطلبا جماهيريا أو مؤسساتيا، وقد تكون محل اتفاق أو اختلاف من قبل البعض، أما العلم فإنه على طرف نقيض مع الأيديولوجيا. وهنا تحدث المشكلة. إن التعامل مع المسائل العلمية في أي مجال، كما لو كانت مسائل إعلامية من شأنه أن يمس جوهر العلم الخاص بكل مجال علمي، وفي هذا ضرر على العلم كمؤسسة حاملة له، وعلى المتلقين له والعاملين فيه، من طلبة وجهاز تعليمي وعلى مخرجات العلم ذاته. ومع الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي فقد أصبحت هذه باختلاف مسمياتها منابر إعلامية وأصبحت الحقيقة العلمية أو المعلومة تطلب من غير منبعها الأصلي.

الإعلام وعاء كبير يمكن ملؤه بكل شاردة وواردة. وهنا تكمن أهمية المحتوى الإعلامي في ارتباطه بالعلم. إن استدراج ما هو من صلاحيات الإعلام إلى محراب العلم، تحت أي مسمى، بمناسبة وغير مناسبة، فيه إضرار بكليهما. لقد فطن المتنبي إلى ذلك عندما قال: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى.

Hanih@iau.edu.sa