صحيح أن أيام العمر تجري سريعًا، لكنها في رمضان أسرع، فقد مضت سبعة أيام كأنها سويعات منذ قدومه، وهذا الشهر الكريم هو شهر لاغتنام الفرص واكتساب الخيرات.
وحتى أولئك الذين ازدحمت حياتهم بجداول الأعمال، فلعلهم ينتفعون بقاعدة: قليل دائم خير من كثير منقطع، فأوجه الخير متعددة، وأبواب الفضائل متنوعة، ولكنها تحتاج إلى مَن يطرقها ويسعى إليها.
ولابد من الإشارة إلى تلك الأوقات الضائعة، والتي يمكن أن نسمِّيها (الأوقات الميتة) مثل: الانتظار في زحام الشوارع والطرقات (خصوصًا خلال هذا الشهر الذي تُزاد فيه بشدة) وأوقات الانتظار عند العيادات، وأوقات الانتظار للمراجعات، وغيرها من الأوقات التي يمكن الاستفادة منها بطرق مختلفة. والأجهزة الحديثة (الهواتف الذكية واللوحية) سهّلت المهمة علينا، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي سرقتها منا!.
وهذه الأوقات (الميتة) أو الضائعة كانت ثمينة عند مَن كانوا قبلنا، فقد ذُكر عن ابن القيم الجوزية -رحمه الله- أنه كان إذا اجتمع عنده الأصدقاء والأصحاب يقوم ببري الأقلام، وتجهيز الأوراق، فتلك الأوقات التي تضيع في الحديث يستفيد هو منها في تجهيز عدة الكتابة (الأوراق والأقلام والمحبرة)، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك، ففي إحدى رحلاته استطاع أن يؤلف كتابًا قيّمًا وممتعًا من عدة أجزاء وهو (زاد المعاد في هَدي خير العباد).
وهنا أتساءل: لو كان مع ابن القيم جهاز لوحي (تابلت) وإنترنت، كم كتابًا كان سيؤلف؟! ولكن الهِمَّة لا تعترف بالوسيلة، بل تهتم بالغاية!
ومسألة الاستفادة من الأوقات أصبحت معلومة بالعقل والفطرة السليمة! ولا تحتاج إلى براهين وأرقام! ولكن أعتقد أن أوقاتًا وأزمنة مباركة مثل رمضان تستحق منا الاعتناء بها ولو بالقليل دائم حين تضعف الهِمَم أو تتراخى؛ لأن الزمن فيه فاضل، وإذا مضى لا يعود، والحسرة بضياعه قد تكون أشد.
وصدق الشاعر حين قال: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه... وأراه أسهل ما عليك يضيع.
والشيء بالشيء يُذكر، فحين هممتُ أن أكتب إليكم هذا (المقال) نظرتُ فيما كتبتُ سابقًا (مقالات وخواطر) عن رمضان. فإذا هي منذ سنوات خلت كأنها البارحة، فجال بخاطري قوله عليه الصلاة والسلام: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ». والمقصد هو أننا حين ننظر للوراء سنتذكر كم من أوقات الشباب مضت، وكم من أيام الصحة قد خلت! وخيرٌ لنا أن نفهم العبرة مبكرًا من أن ندركها متأخرًا. أليس الحكماء يقولون: العاقل من اتعظ بغيره؟!
وحتى نغرس جيدًا مسألة أهمية الاستفادة من زمن الصحة والعافية في الأوقات الفاضلة كرمضان وغيره. فعن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب -رضي الله عنها- قالت: «مَرَّ بي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قد كَبرتْ سِنِّي وضَعُفَتْ -أو كما قالتْ-، فمُرْني بعَمَلٍ أعمَلْه وأنا جالِسةٌ. قال: سَبِّحي اللهَ مِئةَ تَسبيحةٍ؛ فإنَّها تَعدِلُ لكِ مِئةَ رَقبةٍ تُعتِقيها مِن وَلَدِ إسماعيلَ، واحمَدي اللهَ مِئةَ تَحميدةٍ؛ فإنَّها تَعدِلُ لكِ مِئةَ فَرَسٍ، مُسرَجةً مُلجَمةً تَحمِلينَ عليها في سَبيلِ اللهِ، وكَبِّري اللهَ مِئةَ تَكبيرةٍ؛ فإنَّها تَعدِلُ لكِ مِئةَ بَدَنةٍ، مُقَلَّدةً مُتَقبَّلةً، وهَلِّلي مِئةَ تَهليلةٍ. قالَ أبو خَلَفٍ: أحسَبُه قال: تَملَأُ ما بَينَ السَّماءِ والأرضِ، ولا يُرفَعُ يَومَئِذٍ لِأحَدٍ عَمَلٌ أفضَلُ مِمَّا يُرفَعُ لكِ، إلَّا أنْ يَأتيَ بمِثلِ ما أتَيتِ». نعم، الذِّكْر فضله عظيم، والدرس هو أننا اليوم نستطيع عمل الأبدان واللسان، ولكن غدًا ربما نستطيع فقط عمل اللسان!
في الحياة أثمن ما نملك الوقت والعافية، وهما في رمضان أنفس وأغلى.
abdullaghannam@
وحتى أولئك الذين ازدحمت حياتهم بجداول الأعمال، فلعلهم ينتفعون بقاعدة: قليل دائم خير من كثير منقطع، فأوجه الخير متعددة، وأبواب الفضائل متنوعة، ولكنها تحتاج إلى مَن يطرقها ويسعى إليها.
ولابد من الإشارة إلى تلك الأوقات الضائعة، والتي يمكن أن نسمِّيها (الأوقات الميتة) مثل: الانتظار في زحام الشوارع والطرقات (خصوصًا خلال هذا الشهر الذي تُزاد فيه بشدة) وأوقات الانتظار عند العيادات، وأوقات الانتظار للمراجعات، وغيرها من الأوقات التي يمكن الاستفادة منها بطرق مختلفة. والأجهزة الحديثة (الهواتف الذكية واللوحية) سهّلت المهمة علينا، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي سرقتها منا!.
وهذه الأوقات (الميتة) أو الضائعة كانت ثمينة عند مَن كانوا قبلنا، فقد ذُكر عن ابن القيم الجوزية -رحمه الله- أنه كان إذا اجتمع عنده الأصدقاء والأصحاب يقوم ببري الأقلام، وتجهيز الأوراق، فتلك الأوقات التي تضيع في الحديث يستفيد هو منها في تجهيز عدة الكتابة (الأوراق والأقلام والمحبرة)، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك، ففي إحدى رحلاته استطاع أن يؤلف كتابًا قيّمًا وممتعًا من عدة أجزاء وهو (زاد المعاد في هَدي خير العباد).
وهنا أتساءل: لو كان مع ابن القيم جهاز لوحي (تابلت) وإنترنت، كم كتابًا كان سيؤلف؟! ولكن الهِمَّة لا تعترف بالوسيلة، بل تهتم بالغاية!
ومسألة الاستفادة من الأوقات أصبحت معلومة بالعقل والفطرة السليمة! ولا تحتاج إلى براهين وأرقام! ولكن أعتقد أن أوقاتًا وأزمنة مباركة مثل رمضان تستحق منا الاعتناء بها ولو بالقليل دائم حين تضعف الهِمَم أو تتراخى؛ لأن الزمن فيه فاضل، وإذا مضى لا يعود، والحسرة بضياعه قد تكون أشد.
وصدق الشاعر حين قال: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه... وأراه أسهل ما عليك يضيع.
والشيء بالشيء يُذكر، فحين هممتُ أن أكتب إليكم هذا (المقال) نظرتُ فيما كتبتُ سابقًا (مقالات وخواطر) عن رمضان. فإذا هي منذ سنوات خلت كأنها البارحة، فجال بخاطري قوله عليه الصلاة والسلام: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ». والمقصد هو أننا حين ننظر للوراء سنتذكر كم من أوقات الشباب مضت، وكم من أيام الصحة قد خلت! وخيرٌ لنا أن نفهم العبرة مبكرًا من أن ندركها متأخرًا. أليس الحكماء يقولون: العاقل من اتعظ بغيره؟!
وحتى نغرس جيدًا مسألة أهمية الاستفادة من زمن الصحة والعافية في الأوقات الفاضلة كرمضان وغيره. فعن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب -رضي الله عنها- قالت: «مَرَّ بي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قد كَبرتْ سِنِّي وضَعُفَتْ -أو كما قالتْ-، فمُرْني بعَمَلٍ أعمَلْه وأنا جالِسةٌ. قال: سَبِّحي اللهَ مِئةَ تَسبيحةٍ؛ فإنَّها تَعدِلُ لكِ مِئةَ رَقبةٍ تُعتِقيها مِن وَلَدِ إسماعيلَ، واحمَدي اللهَ مِئةَ تَحميدةٍ؛ فإنَّها تَعدِلُ لكِ مِئةَ فَرَسٍ، مُسرَجةً مُلجَمةً تَحمِلينَ عليها في سَبيلِ اللهِ، وكَبِّري اللهَ مِئةَ تَكبيرةٍ؛ فإنَّها تَعدِلُ لكِ مِئةَ بَدَنةٍ، مُقَلَّدةً مُتَقبَّلةً، وهَلِّلي مِئةَ تَهليلةٍ. قالَ أبو خَلَفٍ: أحسَبُه قال: تَملَأُ ما بَينَ السَّماءِ والأرضِ، ولا يُرفَعُ يَومَئِذٍ لِأحَدٍ عَمَلٌ أفضَلُ مِمَّا يُرفَعُ لكِ، إلَّا أنْ يَأتيَ بمِثلِ ما أتَيتِ». نعم، الذِّكْر فضله عظيم، والدرس هو أننا اليوم نستطيع عمل الأبدان واللسان، ولكن غدًا ربما نستطيع فقط عمل اللسان!
في الحياة أثمن ما نملك الوقت والعافية، وهما في رمضان أنفس وأغلى.
abdullaghannam@