سالم اليامي

لا أعرف لماذا تذكرت فكرة ربما كانت رائجة في وقت من الأوقات فحواها أن سماع أغاني المطربين الشعبيين سلوك لا يليق بالنخبة، والنخبة هنا يمكن أن نعرفها مجازا بأهل الذوق العالي، وطبقة الثقافة الرفيعة. ومع أن البعض لم يك يسمع الأغاني الشعبية لكن هناك حالة قريبة من الجزم، تقول بأن أسامي الأغاني الشعبية، أو بعض كلماتها معروفة للجميع، أبناء الطبقة الشعبية، وأبناء الطبقة المثقفة وأهل النخبة، مَن لا يعرف أن هناك أغنية شعبية انتشرت في مطلع سبعينيات القرن الماضي عنوانها: دلعوك أهلك.؟ هذه الأغنية البسيطة في كلامها، والبسيطة أيضا في لحنها استمع إليها الناس، وطربوا لها، كنت اسمع صدى إيقاع هذه الأغنية، الذي يتكرر على شكل ضربات حادة وكأنها صرقعة تصدر من حنجرة إنسان وأنا أقف عند سيارة أحد الأقارب، الذين يملك سيارة للأجرة، سيدان شيفروليه المقعد الأمامي للسيارة يتسع لأكثر من راكب مع السائق، لكن الرجل فضل ألا يشاركه في ذلك المقعد سوى راكب واحد، حيث ترك المسافة بين الراكبين واسعة وخصصها لجهاز تسجيل مغطى بقطعة قماش سميكة وكأنها من المخمل وبها تطريز عالي الدقة بألوان مختلفة، زاهية، حمراء، وصفراء، وبرتقالية، وخضراء... وبعد البيت الأول الذي ربما يحمل كثيرا من الإثارة، والذي يقول دلعوك أهلك وتوك صغير... وأكتمل عمرك وصارت طبيعة. تأتي باقي الأبيات معددة لمحاسن المحبوب، والوضع المادي لأسرته، والأخلاق العالية التي هو عليها، وذوقه الرفيع، إضافة إلى عدم اهتمامه بالمعرفة للوقت والزمن ليس لأنه لا يعرف أو ناقص الحواس، بل لأنه إنسان مترف لا يهمه إن كان الوقت رجبا، أو ما بعده من الأشهر. هذه الأغنية غناها مطرب شعبي مشهور من الأحساء، وكتب كلامتها شاعر مشهور أيضا، غنى له أكثر من مطرب شعبي. وهناك أغنية ربما أكثر قدما من الأغنية السابقة ولها كلمات، ولحن وأداء جميلة وتصف محبوبة الشاعر، وتصور حوارا افتراضيا بينها وبينه لمجرد أن رأها صدفة تسير على قدميها في سوق الذهب، الذي تمنى بهذه المناسبة لو أن البلدية تفرش السوق ذاك بالحرير لكي يليق بخطى وأقدام المحبوبة، ميز هذه الأغنية التي انتشرت ربما في منتصف ستينيات القرن الماضي، على أسطوانات ذكر اسم المحبوبة، سارة وهذا غير مألوف إجمالا في الشعر الشعبي، والمغنى خاصة، وإن ذكر بشكل عابر في بعض القصائد المغناة. تقول بعض كلمات هذه الأغنية يا ليت سوق الذهب يفرش حرير... من شان فيه الحبيبة شفتها. نلمس بوضوح بساطة الشاعر، وبساطة المغني أيضا، حيث تمنى تلك الأمنية الكبيرة، وربما الخيالية لمجرد أن محبوبته سارت في ذلك السوق، وكلام الأغنية يحيلنا على تقسيمات الأسواق قديما، حيث كان هناك سوق تقريبا لبعض الأمور ذات الخصوصية مثل سوق القماش، وسوق الخضار، والذهب، وغيرها... الشعر، والطرب أمور جميلة عندما تعبر عن الناس، وعلاقاتهم العاطفية والنفسية، وهو أيضا يقوم بوظيفة تحمل الرأي والفكرة والتوجه، الذي يتبناه المجتمع أحيانا حتى في القضايا السياسية تفحصوا بيت الشعر الشعبي الجميل المختصر والمركز، الذي يصف أحد أوجه العلاقات السياسية العربية الإيرانية عندما يقول: مثل ما يقولون الغيورين في بغداد... نبي الفكة من إيران ما من وراها زود... ولا عاد نبغي زعفران ولا سجاد.

@salemalyami