عبدالله العولقي

كان رفاق الكاتب نجيب محفوظ ومعارفه يسمونه «الرجل الساعة» لما عرف عنه من التزامه العجيب والصارم مع الوقت، وفي انضباطية محفوظ تشابه عجيب مع الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط،، فيذكر الروائي جمال الغيطاني وهو أحد تلاميذه المقربين بأنه حينما كان يتوجه إلى سكن الأديب محفوظ بحي العجوزة لاصطحابه معه بالسيارة إلى مكان التقائهم اليومي، يقول: في السادسة إلا خمس دقائق انتظر، في السادسة تماما وبمنتهى الدقة يخرج الأستاذ من باب العمارة،، ويقول الغيطاني أيضا: كان يمضي في المقهى ساعتين بالضبط، ثم يغادر إلى منزله كعادته، ويذكر أنه كان يخشى على محفوظ من محاولة اغتيال ثانية له لأن انتظامه الشديد يسهل على من يرصده توقيت الهجوم عليه !!.

وليس هذا فحسب، بل إن ولعه الشديد بالكتابة لم يكن يثنيه عن الالتزام في مواعيد يومه، حيث كان يكتب ثلاث ساعات فقط، ثم يضع القلم ولا يحاول حتى إكمال الجملة حتى قال عنه بعض النقاد: إنه لا يكمل الجار والمجرور إذا انتهى الوقت المخصص للكتابة من شدة الالتزام.

يقول الكاتب الراحل رجاء النقاش: لقد اجتمعت في نجيب محفوظ الموهبة مع الإرادة القوية الأصيلة لحماية هذه الموهبة واستثمارها وصيانتها من الضياع والفساد، ومن هنا كان نجاحه العظيم مثالا فريدا للتوفيق الكامل بين الموهبة الطبيعية والإرادة الإنسانية القوية التي تتميز بالعزيمة والإخلاص معا.

وقد أجمع معاصروه على أنه كان منضبطا على الأمانة والصدق مع نفسه ومع الآخرين، وأنه كان متواضعا ومتسامحا مع الجميع ولم يكن يسعى لأي مكسب من أي نوع، لقد كان محبا للكتابة ومتفانيا في الإخلاص لها، وقد كان يكتب ما يحس به وما يعبر عن تجربته، فإن لم يجد ما يكتبه توقف عن الكتابة.

كان الأستاذ محفوظ يقسم وقته اليومي بدقة متناهية وعلى النحو التالي: يوم السبت لأسرته، ويوم الأحد حتى الأربعاء للكتابة ولمدة ثلاث ساعات فقط، ثم يتبعها بمدة مماثلة للقراءة المكثفة، أما الخميس والجمعة فيقضيهما في التنزه وزيارة الأصحاب والترويح عن النفس، فقد كان محفوظ مؤمنا بضرورة الترويح عن النفس حيث كان يتوقف شهورا عن الكتابة وبشكل كامل خصوصا في فصل الربيع حيث كان يقضيه إجازته السنوية مع أسرته.

أغلب سير المنضبطين في الحياة تجدهم يكرهون إهدار الوقت أو تضييعه في غير فائدة،، وهكذا كان الكاتب نجيب محفوظ،، ففي أواخر عمره عندما أصيب بضعف شديد في بصره استعان بسكرتيره ليقرأ عليه الصحف والكتب، وفي ذات يوم نسي سكرتيره نظارته، فتفاجأ بالأستاذ يمد له عدسته المكبرة التي ادخرها لمثل هذه الحالات الطارئة !!.

@albakry1814