د. موسى آل هجاد الزهراني

هذه رسالة حزينة، من أم، لأبنائها، بعد أن فاضت النفس بالأسى، وحالها كقول الشاعر:

‌شكوت ‌وما ‌الشكوى لنفسي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها

تحدثت وقلبها يتقطع وكأنه يقطر دما، لها خمسة أبناء، وكل في فلك يسبحون: (يا أولادي، أحمد الله تعالى أن رزقنيكم في حين حرم غيري من هذه النعمة، يا أبنائي، ألا تذكرون أيامكم إذ كنتم صغارا، ونحن في حضيض الفقر، تمرضون ولا أملك الدواء، فكنت أداويكم بدموعي في أنصاف الليالي، يا أولادي ربيتكم وتعبت عليكم، حتى بلغتم مبلغ الرجال، واليوم بعد أن ذهب شبابي، وانحنى ظهري، أرى منكم بعض التصرفات ولا أعرف كيف أفسرها؟!.

لا تعرفون بيتي إلا إذا أرهقتكم المشاغل، فتأتون تعكفون على (جوالاتكم) وتضحكون بينكم، وإذا مللتم مني ترمون أولادكم في حضني، لتغيبوا عني يومي الجمعة والسبت، ولا أعلم أين أنتم؟ وما عدت قادرة على تحمل صراخ الأطفال، وأعلم أنهم أحفادي لكني ضاقت نفسي حتى عن نفسي.

أنت يا (فيصل) تعلم كم كنت أداري خاطرك أكثر من بقية إخوتك، وما زلت أتذكر دموعك كل صباح وأنت ذاهب إلى المدرسة مدفوعا إليها بالإكراه، وكأن دموعك تجري على خدي أنا، وها أنت كبرت، وأصبحت مديرا كبيرا، وتزوجت، وتغيرت. وأصبح مكاني في سيارتك في المقعدة الخلفية، مراعاة لخاطر زوجتك. وتأخذ زوجتك وأولادك وتسافرون إلى (جدة) لقضاء إجازة الربيع ولم أعلم بكم إلا من أحد إخوتك، ولم تستشرني أو تستأذني أو تعرض علي أن أذهب معكم، ولو عرضت علي لما ذهبت معكم، لكن هذا يريحني. أم أنك خشيت ألا أدخل عليكم السرور في سفركم لأنني أصبحت كبيرة في السن، وكبيرات السن لا يحتجن إلى (التمشية) والنزهة؟!، أم أن هديتك تلك (السجادة) الفاخرة تعني أنه يجب علي أن أتجهز للدار الآخرة؟!، ونسيت أنني لا أستطيع أن أصلي عليها، وأصبحت أصلي جالسة على الكراسي والكنب.

وأنت يا (علي) تسافر مع إخوة زوجتك إلى (المنطقة الشرقية)، دون أن أعلم، والناس يقولون ولدك (مطوع)، وأنا أبكي في داخلي، يا علي أليس برك بأمك أولى من أصدقائك؟ لن أمنعك من السفر يا حبيب قلبي، لكني يسعدني أن تخبرني، لأن طبعي وأنت تعلمه أني أفكر فيك هل أكلت؟ هل نمت؟ هل أصابك تعب أو (أحد زعلك)؟ طبعي يا ولدي الذي كنتم تتضايقون منه، وتقولون (يا يمه، احنا كبرنا، ما احنا صغار). يا علي أنتم صغار في قلب أمكم حتى لو كبرتم.

يا عيالي، لا أذكر أن أحدكم مد إلي يده بمبلغ خمسمائة ريال، أم أنكم تظنون أننا نحن العجائز لا نحتاج إلى المال، والله إن أحتاج إلى المال، لأتصدق منه، وأقضي بعض الحقوق علي التي لا تعلمونها، وأحتاج إلى المال لأفرح به الصغار، وأدخل عليهم السرور. (أحمد) الطفل الصغير يقول: (يا جدتي، ليش ما عندك فلوس تعطينا مثل زمان؟!).

يا عيالي، لم يبق لي في الدنيا أكثر مما مضى، وكلما كلمت إحدى زوجاتكم تغير وجهها، وتعطيني موعظة في الاقتصاد، وأنا لا أذكر أني أثقلت عليكم في شيء، ولا تظنوا أني توقفت عن الدعاء لكم، والله إني أدعي لكم وأنسى نفسي أحيانا، الله يسامحكم ويعفو عنكم ويرزقكم).

أبلغ تعليق على هذه الكلمات التي حاولت صياغتها بعيدا عن لهجتها العامية، وغيرت أسماء الأبناء، هو: (لا تعليق).

mhajjad@gmail.com