د. يعن الله الغامدي

صاحب السعادة وشهر العبادة لا يطلق إلا على رمضان وهو أيضا شهر القرآن المطهر للذنوب ولا اختلاف بأن رمضان هو شهر التربية الروحية والتربية الرياضية، وصيامه لا يدخله الرياء لأن أساس كيانه وقاعدة أركانه التقوى كما قال عز وجل.

لقد كان الصحابة والتابعون -رحمهم الله تعالى- يستبشرون بمجيئه ويفرحون بقدومه فما قصرت فيه أنفسهم في شهور السنة يصلحه شهر رمضان حتى إنهم كانوا يودعون بعضهم بعضا بسبب انشغالهم بأعمال الاعتكاف والذكر والقيام والدعاء، فهو في منظورهم شهر عبادة وعمل لا شهر نوم وكسل.

ويمكننا أن نستبين فئتين من مجتمعنا اليوم عند الترحيب بقدوم ذلك الضيف، فمنهم مَن يفرح بقدومه ولكنه عندهم مثله كمثل بقية الشهور إلا أنهم فيه مكثرون من الطاعات والعبادات وما يجمعه غيرهم من أكل وشراب في رمضان يتوافر لديهم في رجب وشعبان وخلافه من شهور العام، وأما الفئة الأخرى فأولئك الذين حالهم كحالنا اليوم يتسابقون في تكديس الطعام والشراب ويستعدون لرمضان بما لذ وطاب كما تستعد القنوات بالأفلام والمسلسلات فتجد بعضهم يحرمون على أنفسهم الحلال طول النهار ويبيحون اقتراف الآثام طوال الليل.

والحقيقة فإن البعض منا يغفل عن اغتنام مثل هذه الفرص في مثل هذه المواسم ولو علمت كيف كان حال السلف في رمضان لرأيت ما يفوق حسبان الحاسبين، ولذا رأيت أن نعيش مع بعض الصحابة وأقوال بعض السلف لترى قوة العزيمة وعلو الهمة من خلال سيرتهم العطرة، فإن لم نتشبه ببعض ما كان عندهم فلنقلص لدينا مساحة تلك المبالغات لكثير من العادات الخاطئة، فخاتم الأنبياء وحاتم الكرماء -عليه السلام- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان وكان علي -كرم الله وجهه- يقول مَن هو المقبول فنهنيه ومَن هو المحروم فنعزيه، وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم رغم فضلهما وقد كان أبو حنيفة، وكذلك الشافعي يختمون القرآن في رمضان ستين ختمة، وقال السائب بن زيد كان القارئ يقرأ المئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وقد قال القاسم يصف أباه ابن عساكر صاحب كتاب «تاريخ دمشق» كان أبي يختم كل يوم مرة، وكان يعتكف رمضان في المنارة الشرقية بجامع دمشق، وقال ابن عبدالبر كفى بقوله سبحانه: (الصوم لي) وقال إبراهيم بن أدهم أيضا: مَن ضبط بطنه ضبط دينه.

وأخيرا فقد قيل لأحد الصالحين إنك شيخ كبير والصيام يضعفك، فقال إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه، فأين نحن من هؤلاء؟.

@yan1433