أحمد الجبير

صناعة الأمن، والاستقرار الاقتصادي على المستوى الأسري، تحتاج إلى قدر كبير من التخطيط، فهو وسيط بين الدولة والمجتمع، ويقوم بأدوار غاية في النُّبل والأهمية، فاقتصاد الأسر هو اقتصاد اجتماعي، وله كلفة كبيرة في الدخل القومي المحلي، وهذا يعني ضرورة المحافظة عليه، وإدارته بطريقة سليمة تضمن لنا بقاءه.

وفي مناسباتنا وأعيادنا خصال جميلة كصلة الأرحام، والتراحم والتعاون، والتكافل بين أفراد الأسر والأقارب، وذلك لتتقارب القلوب على الود والاحترام، ويجتمع الناس بعد افتراق، وتعم الفرحة على الجميع، وتُبذل الصدقات، وأعمال الخير، ومساعدة الفقراء، والضعفاء والمحتاجين، فأحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على أخيك المسلم.

فمن طباع الأسر الاحتفال بالمناسبات والأعياد، وما يصاحبها من تكلف، وتفاخر في المناسبات، حيث تجود معظم الأسر بما يملكون من مال، وأصبحت المناسبات والأعياد في أيامنا هذه للأسف الشديد بلا إدارة، ومظهرًا من مظاهر التنافس، والتفاخر بين الأسر في الطعام، والشراب واللباس واستئجار القصور والفنادق، والاستراحات بأسعار باهظة الثمن.

واتسمت حياة الكثير من الأسر بالتكلف في ولائمهم، وأصبحت كل أسرة همُّها أن يرى الغير كرمها وتفاخرها وترفها، وقدراتها المالية، وأصبح الإسراف، والتبذير سمة لبعض الأسر، ويزداد ذلك في المناسبات، خاصة في أيام العيد، حيث الزحام في الأسواق، مما يؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار، ودون مراعاة لغيرنا من ذوي الدخل المحدود.

فالواقع أنّ هذه السلوكيات خاطئة، وغير مقبولة، وينفر منها العقلاء، حيث تشير الدراسات إلى أن ما يُلقى، ويتلف من مواد غذائية، تزيد نسبته على 50% من حجمها، وسبب هذه الظاهرة إعداد أطعمة تزيد على حاجة الأسر، وبالتالي فإن معظمها يُرمى في صناديق النفايات، فالتبذير والإسراف قد يقودان إلى تراكم الديون على رب الأسرة.

لذا يجب على جميع الأفراد والأسر والمجتمع الالتزام بالسلوك الاقتصادي الإسلامي الحسن، باعتباره جزءًا من سلوك المسلم، والاعتدال في الإنفاق، والتخطيط السليم لميزانية الأسرة، ودعم الصدقات، وإطعام المساكين، وتفريج كربة المعوزين، والشعور بالآخرين من ذوي الدخل المحدود، والذي سوف يقودنا إلى إصلاح الفرد، والأسرة والمجتمع، ونمو اقتصاد الوطن.

كما دعا الإسلام إلى الاعتدال، وترشيد الإنفاق، وحرَّم الإسراف والتبذير في الطعام، والشراب واللباس؛ لقول الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) كما حرَّم الإسلام التقتير، والبخل والحرمان، فالإسراف من أخطر مشاكل المجتمع، حيث إن من أهم أهداف ترشيد الاستهلاك عدم الإسراف والتبذير، ودعم نمو اقتصاد الأسرة، والمجتمع والوطن.

ويجب علينا كمواطنين أن يكون لدينا حسن إدارة وتدبير، وتوظيف أمثل للموارد المالية، وعدم التبذير والإسراف، وأن نتحمَّل جزءًا من المسؤولية، فالديون تتضاعف علينا بسبب عدم الترشيد، ولن تجد جهة تمنحك قرضًا دون أن تمتلك القدرة على الوفاء، فالمواطن بوعيه قادر على ترشيد الاستهلاك، والإنفاق والمصروفات.

لأن الهدف من المناسبات والأعياد الفرحة، وتبادل التهاني، والتزاور بين الأهل والأقارب والأصدقاء وصلة الأرحام، والإحساس بالفقراء، والعطف عليهم؛ لذا يفترض تطوير سلوكياتنا، وأن نعرف كيف نصرف ونقتصد، وكيف نُديم هذه السلوكات التربوية والإنسانية، ولا نتجاوزها، فترشيد الإنفاق والمصروفات ضروري في كل مجالات الحياة.

وبجب علينا جميعًا، خاصة في المناسبات والأعياد، أن نعيد ترتيب أولوياتنا، وإلغاء عادات التباهي والتفاخر، وعدم التكلف، وتنمية الوعي الفكري للجميع، وترشيد الإنفاق لدى الأفراد، والأسر والمجتمع، ونقوم بواجباتنا نحو الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران، والفقراء والمحتاجين، جعل الله أيامنا كلها سعادة وفرحًا وسرورًا، وكل عام وأنتم بخير.

ahmed9674@hotmail.com