هناء مكي

بعد أن كانت أمرا مخجلا «وسرقة للحقوق الفكرية» تتسبب في مشاكل قانونية، باتت صناعة تقليد الماركات مهنة تكتسح العالم حتى أنها وصلت إلى أسواقنا العربية وأكبر أسواق التقليد العربية هي سوق دبي وسوق مصر، وباتت تركيا هي الأفضل في توفير أهم المنتجات المقلدة. توقع أن تجد تلك الأسواق في الأماكن الأكثر نشاطا سياحيا في الأسواق النامية، ومركز تدفق بشري بالذات إن كانت هذه المنطقة هي منطقة تجارية، وفي الغالب تعمل هذه الأسواق بصورة شبه خفية ولكنها ليست سرية، فيسمح لها بممارسة هذا العمل الذي ينشط السياحة بغطاء المكافحة في الصين والهند أكبر سوقين صناعيين لها. وحقيقة أن الصين التي تعرضت لحرب تجارية أمريكية قبل أعوام أكبر أسبابها هي استحواذها على أفكار المستثمرين ونسخها في مصانعها وتوفيرها على هيئة منتجات رخيصة، لذا كان لزاما على الحكومة الصينية أن تمارس دعاية تظهر صرامة على ضبط التقليد في أسواقها بحسب تصريحات رئيسها الذي حاول أن يتماشى مع الضغوط الأمريكية والأوروبية بسبب خسائر شركاتهم، وعليه كان لا يغفل الرئيس الصيني بالتلويح بالمحاسبة والعقاب على كل مخالف وفق قانون منظمة التجارة العالمية، ودعا الشركات المتضررة للجوء للقضاء الصيني لأخذ حقها والذي تكسب فيه بالعادة ولكن بعد أن تم نسخ الفكرة. بل لنا أن نقدر الوضع الحاصل بعد أن عين الرئيس الصيني فريق ضبط وخلال شهر أبريل الفائت وافقت أجهزة النيابة في الصين على احتجاز أكثر من 9 آلاف متورط في أكثر من 5200 قضية انتهاك لحقوق الملكية الفكرية، منذ بداية 2021 إلى مارس 2022، وأن ما يزيد على 16 ألف متورط في أكثر من 7800 قضية من هذا النوع تمت محاكمتهم خلال هذه الفترة، إلا أننا جميعا نعرف أن أكبر مصانع التقليد هناك يعمل فيها آلاف الصينيين، ويمكن الوصول لأسواق التقليد بكل سهولة، حتى أن لديهم مواقع بيع خاصة على الإنترنت، وأن ذلك يتم على مرأى ومسمع من الحكومة الصينية التي لا تغفل عن أي شاردة وواردة في بلادها، وهي تدرك جيدا منذ انفتاح البلاد قبل 45 عاما على العالم وركوبها موجة التصنيع، أن صناعة التقليد التي تنتهجها هي من أسست الاقتصاد الصيني الذي لم يتوقف نموه للآن، وأن السيطرة على أسواق التقليد أو تحجيمها سيشكل انتكاسة كبيرة على الاقتصاد الصيني الذي يواصل تفرده ونموه حتى في أحلك الأزمات الاقتصادية، بسبب أسلوب النسخ الصناعي وما يسميها الغرب بسرقة الملكية الفكرية.

بينما هذه الصناعة بحد ذاتها لم تطور الاقتصاد الصيني وتنميه وتقويه فقط، بل طورت الصناعة عالميا، ونشطت الصادرات عالميا، ورفعت الطلب على بعض الخامات، والابتكار في عمليات التشغيل والصناعة، وتمكنت من تنشيط معدل استهلاك الطبقات المتوسطة والمحدودة، وإعادة تشكيل المجتمعات فيها بعد أن خضعت غالبية المنتجات إلى إعادة تسعير لتدخل في التنافسية التي صنعتها وباتت في متناول الجميع.

لذا أنا لا أسمي ما تفعله الصين سرقة، إنها إعادة إنعاش الأسواق بهذا المفهوم، واليوم ها هي توفر لنا منتجات صينية مبتكرة على أثر تشجيع شبابها على الحصول على براءة الاختراع والملكية الفكرية، إنها تغزو أسواقنا اليوم بمدن تجارية صينية كاملة، لذا ما تفعله أنه يرفع معدل التنافسية وفنون الابتكار والإنتاج والتصنيع، الصين تتجه إلى سيادة اقتصاد العالم بهذا المفهوم.

@hana_maki00