محمد علي الحسيني

يعصف بالعالم أحداث وتطورات غير مسبوقة من خلال تصاعد غير مسبوق لحمى التطرف الديني، الذي يرافقه إرهاب دموي بات يلقي بظلاله السوداء رويدا رويدا على مختلف مناطق العالم، لاسيما بعد الهجمات الإرهابية الدامية على باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وذلك ما يشكل خطرا وتهديدا غير عادي من الضروري جدا أن يكون هناك عمل وجهد دولي مشترك من أجل کبح جماح هذا التهديد وإيجاد سياق ونهج إنساني حضاري يدعو ويحث للتقارب والمحبة والتعاون والألفة.

اليوم، وفي ظل التهديدات المحدقة بالعالم، وتزايد لغة العنف والقسوة وترافق ذلك مع طابع ديني (والدين في حقيقته براء من ذلك)، فإن التأکيد مجددا على قضية التقارب بين الأديان صارت ملحة أکثر من أي وقت آخر، خصوصا بين أتباع الأديان والسعي من أجل إيجاد القواسم المشترکة والجامعة بين الأديان والعمل والسعي المشترك من أجل الحد من أية ظواهر أو مظاهر تدعو للتباغض والتباعد والتنافر والمواجهة بين الأديان، ولأن الشرائع السماوية مصدرها ونبعها هو الله عز وجل، فإن الذي لا شك فيه أبدا يمكن إيجاد أکثر من أرضية مناسبة للتعايش والتفاهم ما بينها، لاسيما لو أشرف على الجهد رجال دين مخلصون يضعون مصلحة الإنسانية ومصلحة العالم أجمع فوق أية مصلحة أخرى، وإن الذي لا شك فيه أبدا هو أن أية ديانة لا تدعو لكراهية العالم وفنائه من أجل استمرار وبقاء ذلك الدين.

المتطرفون والإرهابيون وأولئك الذين لهم مصلحة في إظهار الإسلام کدين معادٍ للإنسانية ويزعمون بأنه تنعدم فيه المحبة والألفة والتسامح، فإن هناك الكثير من الأدلة والقرائن الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تثبت خلاف ذلك تماما، بل إن ما جاء في سورة قريش: (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، يثبت أن الإسلام ضد إرعاب وإرهاب وتجويع الشعوب، ذلك إن الله تعالى في هذه السورة الكريمة، يستشهد بالألفة أي المحبة والتقارب بين الناس کرمز ونموذج إيجابي يبارکه ويحث عليه، وفي نفس الوقت يطالب عز وجل الناس بعبادته وهو الذي (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، أي وفر لهم العيش والأمان، وقطعا إن الله تعالى الذي يوفر الرزق للدواب ولكل الكائنات الحية والبشرية جمعاء بمَن کان مٶمنا به ومَن لم يكن مٶمنا به، ولذلك فإن الذين يقومون بإرعاب الناس وتخويفهم وتجويعهم وابتزازهم على أساس الإسلام، فإن الإسلام بريء منهم تماما.

المحبة والحب في الإسلام، ليست أمرا اعتباطيا أو طارئا ذلك أن هناك تأکيدات من السنة النبوية، ومن القرآن الكريم نفسه، حيث تقول آية في سورة آل عمران: (قل إن کنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)، ومن هنا فإن ترکيز الآية الكريمة على ما يتعلق بالمحبة في موقعين، يدل على أهمية مفهوم الحب والمحبة في الإسلام، خصوصا عندما يتم الربط بين المحبة والله تعالى، وفي نفس السياق نجد الحديث النبوي الشريف، الذي يٶکد وبصورة واضحة وحاسمة على ماهية وجوهر الدين الإسلامي عندما يقول الرسول الأکرم «صلى الله علیه وآله وصحبه وسلم»: (الدين هو الحب والحب هو الدين)، ومن هنا فإن الإسلام کما نرى يٶکد المحبة ويدعو لها وهو بذلك يخالف ويتقاطع مع مزاعم المتطرفين والإرهابيين.

الدعوة للمحبة لم تقتصر على الإسلام فقط، وإنما نجد ذلك أيضا في المسيحية، حيث جاء في الكتاب المقدس: (أکرموا الجميع. أحبوا الإخوة. خافوا الله، أکرموا الملك)، وکذلك: (أما الآن فيثبت: الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة) أو: (المحبة لا تسقط أبدا)، أما في العهد القديم، فقد وردت أيضا نصوص تدعو للمحبة وتحث عليها نظير: (البغضة تهيج الخصومات، والمحبة تستر کل الذنوب)، وکذلك: (أکلة من البقول حيث تكون المحبة، خير من ثور معلوف ومعه بغضة)، أو (وتطلب التأديب هو المحبة والمحبة حفظ الشرائع ومراعاة الشرائع ثبات الطهارة)، ومن هنا، فإن تأکيد الديانات الثلاث على أهمية المحبة ووجوبها ورفض البغض والكراهية، لا بد من أن يصبح ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- أساسا ومنطلقا للاتفاق لإرساء أرضية مشترکة تجمع بين الأديان الثلاثة وتوحدها بهذا السياق بما يرسخ التقارب والتفاهم والتعاضد، الذي يجعل منه أساسا ومنطلقا حيويا ونابضا للحوار بين الحضارات والتصدي للتطرف والإرهاب والانغلاق.

@sayidelhusseini