عبدالله الغنام

أثناء مطالعتي لتطبيق تويتر مؤخرا شد انتباهي تعليق كتبه أحد الأشخاص ردا على تغريدة لملياردير غربي شهير يعد من أغنياء العالم. وكان فحوى التعليق هو دعوة الملياردير إلى وجود الخالق العظيم بأسلوب حسن وسهل. وذلك مصدقا لقوله سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).

وقد وقفت متأملا عند التعليق والردود من كلا الطرفين، وجال في خاطري عدة ملاحظات. منها ابتداءً أننا لا نحكم على أحد معين بجنة أو نار، ولا نعلم بالخواتيم، فتلك بعلم الله سبحانه وتعالى وبمشيئته، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)، ويتضح المعنى أكثر في الرواية الأخرى: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وأنه من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة).

ولكن الذي أثار حفيظتي واقشعر له بدني هو جرأة الرد من (الملياردير) حيث قال: (ما عندي مشكلة في الذهاب إلى الجحيم؟! إذا كانت هذه نهايتي، حيث إن الغالبية العظمى من الناس سوف يذهبون إلى هناك!). معروف أن الأذكياء والعباقرة يخالفون الغالبية العظمى من الناس ولا يتبعون القطيع، فلماذا في هذه المسألة صار اتباع الأغلبية (إلى النار) أفضل؟!

وهذا الأسلوب من الكلام والتفكير يجعلني أستغرب أن عباقرة مثل: نيوتن وأينشتاين ومَن كان على شاكلتهما لم يهتدوا إلى الإسلام مع ما كانوا يملكون من عقول فذة وذكاء متقد. مع اعتقادي بأن الحقيقة واضحة جدا (طبعا بالنسبة لي) وازداد استغرابا أكثر مع أناس من أمثال: الكاتب الروسي الشهير تولستوي، الذي مدح (الرسول عليه الصلاة والسلام) وألف كتاب سمّاه (حكم النبي محمد) دفاعا عنه. وفي نفس الخانة أضع الفيلسوف الفرنسي (فولتير)، حيث عدّل رأيه عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعد أن أخطأ في حقه في إحدى مسرحياته.

إذاً المسألة ليست بحجم العبقرية والذكاء الذي نملك، بل هي بصفاء القلب وتقبله للحق، والرجوع إليه حتى حين نحيد عن طريقه. ولذلك أبو حامد الغزالي -رحمه الله- أصاب كبد الحقيقة بعد سنوات من التفكير والبحث والتأمل، حيث قال: هو نور يقذفه الله في قلبك. أي أن العناد والمكابرة تجعل على القلوب ران (غطاء) بحيث لا ترى النور أو لا تنشرح له كما حدث لإبليس اللعين، فهو أكثر مخلوق يعرف طريق الحق.

والشيء بالشيء يذكر، فقد ورد في الأثر أن الوليد ابن الوليد أرسل رسالة إلى أخيه خالد بن الوليد -رضي الله عنهما- (قبل أن يسلم)، حيث قال له: فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك، ومثل الإسلام جهله أحد؟ يقصد مع ذكاء خالد وعبقريته كيف لم ير نور الإسلام حتى الآن؟!

ومن اللطائف الرقيقة أنه -عليه الصلاة السلام- ود لو أن كل الناس يهتدون إلى الإسلام، ولكن الله سبحانه وتعالى قال له : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).

وبناءً على ما ذكرنا لابد أن نستشعر بقوة وعمق نعمة الإسلام، التي نحن فيها، فالقلوب تتقلب مهما بلغت الأدمغة البشرية من العبقرية والذكاء؛ لأنها قد لا ترى الشمس حتى في وضح النهار!

وأني أقول جازما إن بداخل كل إنسان بذرة تخبره بأن الله هو الخالق والمدبر لهذا الكون المذهل، ولكن البعض يتجاهلها، والبعض الآخر يعاند ويكابر، وتلك أشد وأقسى الصِراعات للنفوس.

abdullaghannam@