سالم اليامي

انتشار القنوات الفضائية أمر إيجابي فأحد أوجهه بأنها تتيح للناس خيارات أكثر لمتابعة برامج القناة، التي تناسب ميولهم وتوجهاتهم، سواء كانت تلك الميول سياسية، أو اقتصادية، أو متخصصة في شأن من شؤون الحياة، كالرياضة، والطبخ، والتخصصات الحياتية الأخرى. وبالنسبة لي وربما لغيري من ضيوف القنوات الفضائية الإخبارية على وجه الخصوص يهمني أن أعرف توجه القناة، التي تقدم لي دعوة للظهور في أحد برامجها، وأقصد هنا بتوجه القناة من الجهة، أو ربما الجهات التي تقف خلف هذه القناة، أو تلك. ولكيلا أطيل المقدمة على السيدات والسادة القراء أقول أَنَّه قبل أيام تواصل معي أحد الأشخاص عبر واحدة من وسائل التواصل الاجتماعي، وطلب الحديث معي بهدف ترتيب استضافة في القناة التي يعمل فيها. في البدء قلت لعله خير، ولعلها نافذة جديدة للعمل، ومواصلة الظهور الإعلامي، وقررنا التواصل عبر الهاتف، وعندما تلطف بالاتصال بي سألته بدون حرج حول هوية القناة، التي يعمل فيها، والتي يقدم لي الدعوة للمشاركة في أحد برامجها، فلم أجد لديه إلا أنه عرفني بأنه شاب سوري مقيم في إسطنبول ويعمل في القناة، التي يدعوني إليها، وهي قناة اسمها عبارة عن رقم وهذا الرقم أكثر من واحد، وأقل من عشرة. في الحقيقة لم يقل لي الرجل لا يعرف مَن يقف خلف هذه القناة ولكنه قال إنَّه تابع لوكالة إعلامية تحضر لبرامج هذه القناة، ولكن لا يعرف شيئا عن هوية، وتوجه القناة. ومن المعلومات، التي استطاع تقديمها الرجل بدون تردد أن القناة تعمل من إسطنبول، وهي مشاهدة في العالم العربي بشكل كبير، كما قال، وبرامجها تغطي معظم الشؤون العربية والدولية، خاصة السياسية منها. لم أشك لحظة بأن الرجل يخبئ شيئا حول القناة، التي يعمل فيها، أو يجهز برامج وضيوفا لتغذية برامجها، فلا يمكنك كما أخبرته أن يكون دوره وتواصله مع الناس عملا تطوعيا، أو لوجه الله، في النهاية هو يقبض راتبا، وهذا بالتأكيد من حقه، ولكن بالتأكيد أنه يعرف الجهة التي تدفع له ذلك الراتب. الغلطة التي وقع فيها الرجل أن قال إنَّ القناة «مصرية» فسألته إن كانت واحدة من القنوات التابعة لتنظيم معروف في الوطن العربي، فقال لا ليس بالضبط، وهذه إجابة مريبة. المفيد بعد أن اعتذرت للرجل عن قدرتي على المشاركة حتى إن كان لخمس دقائق فقط في هذه القناة، لأكثر من سبب، حاولت البحث عن خلفية هذه القناة، فوجدت في أحد التعريفات أنها قناة «تونسية» تعمل من إسطنبول، والشاب الذي يوفر ضيوفا للقناة سوري لاجئ هناك، وهذا ليس عيبا أبدا لكن ربما يكون استغلالا لظروفه. هذه الحكاية عادت بي إلى واحدة من أهم منعطفات العلاقات بين تركيا والدول العربية، خاصة بين تركيا ومصر، وبدرجة أقل مع الجمهورية التونسية، وكلنا نتذكر أن كانت هناك مواقف تركية في أواخر شهر أبريل الماضي رفضتها تونس القيادة، والدولة واعتبرت بعض التصريحات التركية حول الأوضاع في تونس تدخلا مرفوضا في الشأن التونسي. هذه القنوات مهما ارتفع صوتها، وعلا حسها تبقى أصواتا متناثرة في البرية، وفي الفضاء الإعلامي الإقليمي والدولي، وسيأتي يوم تضمر وتضمحل وتغادر المشهد الفضائي، والإعلامي غير مأسوف عليها، ومهما امتد بها العمر فلن تكون أكثر من أداة استخدمت وانتهت بانتهاء الدور الذي قامت به.

@salemalyami