مطلق العنزي

لا يزال، وبعد أكثر من شهر، يتردد صدى اللكمة التي سددها الممثل الأمريكي ويل سميث لمؤدي العروض الساخرة، كريس روك، وأثارت في وقتها ذهولاً، ولا تزال تثير جدلاً.

والرافضون لتصرف سميث لا يزالون غاضبين ويرونه عنفاً غير مبرر.

وفي الحقيقة، فإن كل من الرأيين صحيح. والسبب أن واقعة مسرح «دولبي»، ما كان لها أن تحدث لولا ثقافة تفلت شخصيات العروض العامة، خاصة الساخرين، الذين يوجهون إهانات أقسى من لطم الوجوه.

يوجد خلل، يبدو مقصوداً، في القوانين الأمريكية والعالمية، وهو تخصيص التجريم في العدوان المادي والجسدي، بينما الأقوال «حرية تعبير»، مهما كانت عدوانيتها.

ويبدو أن مؤسسات الإعلام الأمريكية والأوروبية في أوج سيطرتها على الحياة العامة في القرنين الـ19 والـ20، وتنمرها على السياسيين وإرهاب المشرعين، نجحت في ترويج ثقافة الأقوال المقدسة. وأدى هذا لتفلت الكتّاب والساخرين والمسرحيين والسينمائيين، لتوجيه إهانات قاسية وموجعة للناس، أقسى من اللكم.

وأعطيت الوجاهة لتشويه السمعة والإهانة والحط من قيم الناس اجتماعياً، وأحياناً طعون صريحة بالذمة والأمانة والأعراض، بحماية التكييف القانوني لحرية التعبير المطاطة جداً. لهذا جرأ كريس روك على السخرية من سيدة أجبرتها ظروف مرض على قص شعرها. وهذا قمة الوقاحة والعدوان، ولو أقامت السيدة دعوى ضده، يجب عليها أن تثبت الضرر المادي. لهذا نلاحظ أن صحفاً وقنوات فضائية، وشبكات التواصل الاجتماعي، في أمريكا والعالم، تتحول إلى منصات حروب اجتماعية، تنمر واتهامات بالجملة وشتائم وسوء أدب وألفاظ شوارعية وتلفيق.

والأخطر أن أجيالاً تتربى على هذا النوع الوضاعة. ويداس على أخلاقيات النشر والمهنية الصحفية بالأقدام حتى إن كانت الأخلاقيات تدرس في كليات الإعلام في أمريكا والعالم وتعطى لها قدسية خاصة.

كيف لحضارة تدعي حماية حقوق الإنسان، لا ترى الإهانات والتشويه والتعريض بالأمانة والأعراض جريمة؟.. وحرية التعبير تقتل بنيران صديقة.

* وتر

في منافسات الثراء، والدماء الزرق..

رماح ومدافع وحرائق..

إذ لهب النار يلفح وجوه الفقراء..

وأيتام ثقافة الاستهلاك الجائعون، يتضورون،

ويتساقطون على الأرصفة..

@malanzi3