محمد حمد الصويغ

أفكار وخواطر

يقول الإمام الدكتور محمد السيد الطنطاوي في كتابه الشهير «الاجتهاد في الأحكام الشرعية» ما نصُّه «إن باب الاجتهاد فيما يجوز فيه الاجتهاد، ولمَن هم أهل له مفتوح ولن يُقفل، فعلينا أن ندخله بقلوب عامرة الإيمان، وبعقول منفتحة لكلمة الحق، وبنفوس زاخرة بالشجاعة، وبقلوب خالية من الأحقاد والمطامع الذاتية التي تغلِّب الخاص على العام، وبمقاصد شريفة لحمتها وسداها النطق بكلمة الحق، وبغايات نبيلة هدفها إعلاء كلمة الله، وبيان ما امتازت به شريعة الإسلام من يُسر وسماحة، ومن إحقاق للحق، وإبطال للباطل» وهي كلمات تنمُّ بوضوح عن أهمية الاجتهاد وضرورته، فليس صحيحًا أن زمانه قد اختفى باختفاء مَن بحثوا فيه من الأقدمين، ذلك أن التدبير في آيات رب العزة والجلال باب لم يوصد، ولنا في رسولنا المصطفى «عليه أفضل الصلوات والتسليمات» خير قدوة، فقد اجتهد في أمور الدين والدنيا معًا فكان مثلًا لمَن جاء بعده من العلماء والفقهاء والدارسين، فليس عيبًا أن يقولوا في غدهم ما قيل في أمسهم؛ لأن الحقائق الصرفة هي أصل البحث عن المعرفة الصائبة.

وجاء الخلفاء الراشدون بعد رسولنا الأمين، فكانت لهم اجتهاداتهم التي انحصرت في خدمة مبادئ العقيدة الإسلامية، والوصول إلى الحق وما فيه خير المسلمين، فالاجتهاد الخارج عن أصول الدين وتشويه أركانه وتأويل أحكامه بطرائق سقيمة، ومقاصد سيئة هو اجتهاد مَنهيٌّ عنه، فأصحابه غير مُلمِّين بالفقه والتشريع والبحوث الاجتهادية، فجاءت استنباطاتهم موغلة في الأخطاء، ولنا، في اجتهادات التابعين الأئمة الكبار أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، خير مثال على صحة الاجتهاد وسلامته، وليس من العقلانية وقف الاجتهاد بحجة سد الذرائع، فهي حجة لم تُفهم بوجهها الصائب، فمن يتخذون الاجتهاد وسيلة لخدمة أهوائهم، وبث روح الفتن والفُرقة بين صفوف المسلمين، فإن اجتهادهم الخاطئ مردود عليهم، أما المنتصرون لتعاليم العقيدة من أعلام الاجتهاد في عصرنا الحاضر أولئك الحريصين على إعلاء كلمة الله وسُنَّة خاتم أنبيائه ورسله «عليه الصلاة والسلام» فهم المنتهجون لأساليب الاجتهاد وطرقه وأهدافه الكبرى، وعلى رأسها نُصرة الحق والبحث عن مصالح المسلمين، والتمسك بالتشريع الإسلامي الذي لا يأتيه الباطل من أي جهة.

mhsuwaigh98@hotmail.com