اليوم - الوكالات

الأوكران: العقوبات الأوروبية على الروس لا تزال «غير كافية»

حذرت وكالة إغاثة دولية من تفاقم الوضع الإنساني الكارثي في مدينة سيفيرودونيتسك بشرق أوكرانيا، مع وجود 12 ألف مدني محاصرين وسط القتال، في وقت اعترف فيه الغرب بفشله في اتخاذ حظر شامل لواردات الطاقة الروسية، وعدم امتلاكه نفوذا يمنع موسكو من بيع نفطها البحري لدول خارج الاتحاد الأوروبي.

وكان عدد سكان المدينتين التوأم سيفيرودونيتسك وليسيشانسك، يبلغ 380 ألف شخص قبل الحرب، وتعرضت الأولى للدمار بشكل خاص بسبب عمليات القصف الجوي والمدفعي من جانب الروس.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: إن نحو 90% من المنازل تضررت، وإن أكثر من ثلثيها دُمّر بالكامل.

وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، جان إيجلاند، في بيان: «لدينا مخاوف بشأن ما يصل إلى 12 ألف مدني محاصرين وسط تبادل إطلاق النار في المدينة، دون الحصول على قدر كاف من المياه أو الغذاء أو الدواء أو الكهرباء».

وفي سياق منفصل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن بحرية بلاده يمكن أن تضمن عبور السفن المحمَّلة بالحبوب من البحر الأسود حتى المتوسط دون عوائق، بيد أنه شدد: لكن على كييف حل مشكلة إزالة الألغام من المياه.

وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البحريني عبداللطيف الزياني، في المنامة، أمس: «الجيش الروسي يضمن مرور السفن المحملة بالحبوب دون عوائق من الموانئ الأوكرانية إلى البحر الأبيض المتوسط ​​إذا حلت أوكرانيا مشكلة إزالة الألغام من المياه الساحلية».

وأكد لافروف أن روسيا بذلت كل ما في وسعها لحل مشكلة الغذاء في العالم.

في المقابل، أكد الزياني على موقف مملكة البحرين الداعم للحلول السلمية واستئناف المفاوضات بين الطرفين، وضرورة إحلال الأمن والسلام والاستقرار الشامل في القارة الأوروبية؛ لتحقيق الازدهار والنماء لصالح شعوبها، إضافة إلى ضرورة فتح الممرات الآمنة للمدنيين، وإيصال المساعدات الإغاثية للاجئين والنازحين.

مقاومة أوكرانية

إلى ذلك، لا تزال القوات الأوكرانية صامدة في سيفيرودونيتسك حتى ظهر أمس الثلاثاء، وتقاوم الهجوم الروسي الشامل للسيطرة على أرض قاحلة مدمرة جعلتها موسكو الهدف الرئيسي لغزوها في الأيام الأخيرة.

وقال الجانبان: إن القوات الروسية تسيطر الآن على ما بين ثلث ونصف المدينة، واعترف وكلاء روسيا الانفصاليون بأن الاستيلاء عليها يستغرق وقتا أطول مما كان متوقعا، رغم شن واحدة من أكبر الهجمات البرية في الحرب.

ويقول محللون عسكريون غربيون: إن موسكو قلصت القوة البشرية والعسكرية في باقي جبهات القتال من أجل التركيز على سيفيرودونيتسك، على أمل أن يؤدي هجوم واسع النطاق على المدينة الصناعية الصغيرة إلى تحقيق ما يمكن لروسيا تسميته انتصارا في أحد أهدافها المعلنة في الشرق.

ونقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، عن ليونيد باشنيك زعيم جمهورية لوجانسك الشعبية الموالية لموسكو: «يمكننا القول إن ثلث منطقة سيفيرودونيتسك تحت سيطرتنا بالفعل».

وأضاف أن القتال يحتدم في المدينة، لكن القوات الروسية لا تتقدم بالسرعة المأمولة، قائلا: إن القوات الموالية لموسكو تريد «الحفاظ على البنية التحتية للمدينة»، وتتحرك ببطء بسبب توخي الحذر حول المصانع الكيماوية.

وقال رئيس إدارة المدينة الأوكراني أولكسندر ستريوك: إن الروس يسيطرون الآن على نصف المدينة.

وأضاف: «للأسف، انقسمت المدينة إلى نصفين، لكن في الوقت نفسه لا تزال تدافع عن نفسها، ما زالت أوكرانية»، ونصح مَن لا يزالون محاصرين بالداخل بالبقاء في الأقبية.

وتقول أوكرانيا: إن روسيا دمرت جميع البنية التحتية الحيوية للمدينة بقصف لا هوادة فيه، أعقبته موجات متتالية من الهجمات البرية التي أسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

ولا يزال الآلاف من السكان محاصرين، وتتقدم القوات الروسية نحو وسط المدينة ولكن ببطء، ولم تنجح في تطويق المدافعين الأوكرانيين الصامدين هناك.

فتاتان تسيرون بجوار مبنى سكني تضرر في مدينة ماريوبول جنوب أوكرانيا (رويترز)


أهداف روسية

وفي أماكن أخرى من ساحة الحرب، وردت تقارير قليلة عن تحرك كبير أمس الثلاثاء، في الشرق.

وتقول أوكرانيا: إن موسكو تحاول مهاجمة مناطق أخرى على طول الجبهة الرئيسية، بما في ذلك الضغط باتجاه مدينة سولفيانسك.

وفي الجنوب، قالت أوكرانيا في الأيام الأخيرة، إنها صدت القوات الروسية على ضفة نهر «إينهوليتس» الذي يشكل حدودا لمقاطعة خيرسون التي تسيطر عليها روسيا. ومن شأن الانتصار في سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك المجاورة أن يمنح موسكو السيطرة على منطقة لوجانسك، وهي واحدة من منطقتين في الشرق تطالب بهما روسيا نيابة عن انفصاليين تدعمهم، ما يحقق جزئيا أحد الأهداف المعلنة من الحرب.

وفي ماريوبول، قال انفصاليون موالون لروسيا في منطقة دونتيسك بشرق أوكرانيا، إنهم صادروا عدة سفن شحن تجارية ترسو في الميناء.

ونقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء، عن قائد الانفصاليين دنيس بوشيلين، أمس الثلاثاء، القول: «بعض السفن سوف يخضع لسلطة جمهورية دونيتسك الشعبية».

وسوف تتم إعادة تسمية السفن، وستصبح جزءا من أسطول السفن التجارية الذي تشغله جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة ذاتيا.

يشار إلى أنه قبل الحرب، كانت ماريوبول أكبر ميناء في أوكرانيا في بحر آزوف، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 400 ألف شخص، كما أنها مركز قطاع الصلب.

والآن أصبح نحو 90% من المدينة مدمرا بسبب القصف الروسي المتواصل منذ أشهر.

من جانبه، يقول الجيش الروسي إنه عثر على 152 جثة لمقاتلين أوكرانيين في ملاجئ تحت الأرض في مصنع آزوفستال في ماريوبول، الذي سيطر عليه مطلع هذا الشهر بعد حصار.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيجور كوناشينكوف، في موسكو، الثلاثاء: «هناك 152 جثة لمقاتلين وجنود بالقوات المسلحة الأوكرانية كانت مخزونة في حاوية ليس بها تبريد».

جثث «الألغام»

ويوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، أنه تم اكتشاف ألغام أسفل الجثث، قائلا: إن الجانب الأوكراني ربما كان ينوى تفجير الحاوية من أجل تحميل روسيا مسؤولية القتل، وأضاف: «إن السلطات الروسية لم تتلقَ بعد أي طلبات لنقل الجثث للقيادة الأوكرانية».

يأتي هذا فيما تتضمن تسوية الغرب التي جرى التوصل لها في بروكسل، حظر النفط الوارد لأوروبا عن طريق البحر فقط، وليس خطوط الأنابيب، إذْ تتضمن إعفاءات لخط أنابيب «دروجبا العملاق» الذي يعود للحقبة السوفييتية ويربط روسيا بالعديد من دول أوروبا الشرقية والوسطى، وذلك بعد ضغوط شديدة من المجر، ما يؤكد فشل الأوروبيين في الاتفاق على موقف واحد بشأن واردات الطاقة الروسية.

ودافع جوزيب بوريل، مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أمس، عن الحظر المخفف للنفط الروسي، بالقول: إن الهدف هو «أن يحصل الروس على موارد مالية أقل للإنفاق على آلة الحرب»، وهو ما تحقق.

وتهدف العقوبات إلى شطب ثلثي واردات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام، وما يصل إلى 90% من واردات النفط الروسي، إذا ما التزمت ألمانيا وبولندا بتعهدات طوعية بالوقف التدريجي للواردات.

وردا على سؤال عما إذا كان الإجراء الأوروبي يتيح لروسيا بيع نفطها المنقول بحرا إلى دول ثالثة، قال بوريل: «لا يمكننا بالتأكيد منع روسيا من بيع نفطها إلى جهة أخرى، فليس لدينا هذ القدر من النفوذ»، بينما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في وقت مبكر صباح أمس: إن زعماء الاتحاد توصلوا إلى اتفاق «من حيث المبدأ» بشأن حظر واردات النفط من روسيا.

وحصلت المجر، التي تعتمد على النفط الروسي عبر خط أنابيب ضخم يعود إلى الحقبة السوفييتية، على استثناء، رغم أن مسؤولي التكتل توقعوا أن يكون ذلك «مؤقتا». ومع مطالبة روسيا السداد بالآلية الجديدة، رفضت دول أوروبية تنفيذ ذلك، الأمر الذي دفع شركة «غازبروم» الروسية لقطع إمدادات الوقود الأزرق عنها، إذ أكدت موسكو مرارا أنها «لن تورد الغاز الروسي مجانا لأحد».

الأوروبيون فشلوا في الاتفاق على موقف واحد بشأن واردات الطاقة الروسية (رويترز)


رد قاسٍ

وحتى أمس، قطعت «غازبروم» الروسية الإمدادات عن 4 دول أوروبية، وهي: بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا، وسط توقعات أن يتم إيقاف الإمدادات الغازية إلى الدنمارك في الفترة القريبة، بعد إعلانها قبل يومين رفضها السداد بالروبل، أي بحسب آلية الدفع الجديدة.

وفي إطار الآلية الجديدة يتوجب تسديد ثمن الغاز بالروبل، ويتعين على الشركات الأوروبية المستوردة للغاز الروسي فتح حسابين في مصرف «غازبروم بنك» الروسي، الأول باليورو، والثاني بالروبل.

وتهدف روسيا من خلال الآلية هذه، إلى ضمان استلام ثمن الغاز الروسي الذي تورده إلى الدول الأوروبية، وعدم تجميده في الخارج، على غرار ما حدث لجزء من احتياطاتها المالية الدولية، ووفقا لتقديرات وزارة المالية الروسية، فقد جمَّد الغرب احتياطات روسية تقدر بنحو 300 مليار دولار.

من ناحيته، قال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي، إنه يريد رؤية «إبعاد» الرئيس الروسي فلادمير بوتين بصورة كاملة من السلطة.

وأضاف مورافيتسكي لشبكة «سكاي نيوز»، خلال قمة بروكسل بشأن الحرب على أوكرانيا: «إذا خسرت أوروبا والعالم الحرب هذه المعركة، خسرت هذه الحرب، لن نصبح بأمان بعد الآن؛ لأننا سوف نكون دائما تحت التهديد والابتزاز من جانب بوتين»، مضيفا: إن بوتين يمثل «قوة وحشية».

من جهة ثانية، قال مسؤول كبير في مكتب الرئيس الأوكراني في خطاب ألقاه في مدريد، أمس الثلاثاء: إن عقوبات الاتحاد الأوروبي الأخيرة على روسيا التي تحظر معظم واردات النفط «غير كافية»، وإن وتيرة العقوبات حتى الآن بطيئة للغاية.

وفي أقسى إجراءات انتقامية اتخذها الاتحاد الأوروبي ضد موسكو منذ غزو أوكرانيا قبل ثلاثة أشهر، وافقت قمة للاتحاد عُقدت في بروكسل الإثنين، على خطوات قال مسؤولون إنها ستوقف على الفور أكثر من ثلثي واردات النفط من روسيا، و90% منها بحلول نهاية العام.