د. فاطمة مصطفى رضا

التنوع ضمن الوحدة هي معادلة صعبة، وتحتاج إلى مراحل لتحقيقها، ولكن كتب التاريخ حملت العديد من الأمثلة، التي عكست هذه المعادلة وأهم هذه الأمثلة هو فن المنمنمات الإسلامية. المنمنمات هي فرع من فروع الفن الإسلامي، وهي تعني لغويا الرسوم الزخرفية بالغة الصغر. يختص فن المنمنمات بتزيين الكتب بواسطة التصاوير أو الرسوم التوضيحية المصغرة، ويسمى أيضا بفن الكتاب. وتحتوي التصاوير على جميع العناصر الفنية التشكيلية كالرسوم الآدمية والحيوانية والنباتية والعمارة والأثاث والتحف بأنواعها. يرجع تاريخ أقدم المنمنمات إلى القرن الثامن الميلادي ويستمر إلى القرن التاسع عشر، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة حافظت المنمنمات على طابع خاص بها مع وجود تميز بين مدرسة وأخرى.

المنمنمة هي بمثابة فن إخباري وتكملة بصرية للنص المكتوب، وهي بحد ذاتها ليست هدفا فنيا للرسم كلوحة العشاء الأخير لدافنشي مثلا، ولكنها لوحة بصرية تقرب النص للقارئ. تنقسم المنمنمات من حيث الغرض من استخدامها إلى نوعين، النوع الأول يوجد في المخطوطات الإسلامية وتحمل غرضا ذا مدلول اجتماعي، ويتمثل ذلك في رسوم الأشخاص وأزيائهم وأدواتهم، وكذلك الحيوانات والتحف والخلفيات الطبيعية والمعمارية وغيرها، وهو يهدف إلى تسلية النظر والترويح عن النفس.

وهنا تشرح المنمنمة النص بالرسوم التوضيحية أو تعرض مضمونه بشكل بصري، يشمل هذا النوع جميع التصاوير، التي توضح نصوص الكتب الأدبية والتاريخية على الخصوص، فهذه الكتب والمخطوطات تضم إلى جانب القيمة الأدبية والتاريخية قيمة فنية أخرى، ويعبر هذا النوع عن الأساليب الفنية المختلفة للمنمنمات الإسلامية وتطورها من عصر لآخر ومن مدرسة لأخرى. وقد كان لرعاية وتوجيه الحكام والأمراء حافزا قويا لتشجيع الفنانين والمصورين لإبراز مواهبهم وتطوير أفكارهم، وكانت أبرز المخطوطات الأدبية والتاريخية، التي شهدت هذا التطور هي المخطوطات الفارسية والتركية. هذه الأساليب الفنية هي ما اصطلح على تسميته مدارس التصوير الإسلامي.

النوع الثاني من منمنمات المخطوطات ذو مدلول علمي وهدفه التعليم والتثقيف، وهنا تقوم المنمنمة بوظيفة الشرح والتعليم. ويشمل هذا النوع الكثير من التصاوير، التي توضح نصوص بعض المخطوطات العلمية، كما في بعض مخطوطات الهندسة والطب والصيدلة وعلم الحيوان والبيطرة والفروسية، ومن أبرز الأمثلة على فن المنمنمات العلمية رسومات ابن الهيثم في كتابه «المناظر»، وكتاب «الترياق» لجالينوس، وكتاب «خواص العقاقير» لديسقوريدس، وكتاب «الحيوان» للجاحظ، وكتاب «مختصر البيطرة» لأحمد بن الأحنف، وكتاب «الحيل الجامع بين العلم والعمل» لابن الرزاز الجزري وغيرها. وأغلب هذا النوع من المنمنمات التعليمية تضاف لاحقا مع كل مرة ينسخ فيها الكتاب لأسباب يراها الناسخ كتوضيح الفكرة أو تفهيم النصوص.

يصنف الباحثون في الجماليات الإسلامية التصوير الإسلامي إلى عدة مدارس تتميز كل مدرسة منها بنمط فني وخصائص تشكيلية وجمالية تجعلها مستقلة عن غيرها، وأهم هذه المدارس هي: المدرسة العربية، والمدرسة التيمورية، ومدرسة هراة، والمدرسة المغولية، ومدرسة التصوير المغولي الهندي، والمدرسة الصفوية، وأخيرا المدرسة التركية العثمانية. ولكل منها تفاصيل وطريقة رسم ميزته عن غيره وفي نفس الوقت تدرجه تحت المظلة الكبيرة للفنون الإسلامية، التي تميزت بالتنوع ضمن الوحدة.

خلال تلك الفترات التاريخية والإمكانات المحدودة مقارنة بما نملكه اليوم، استطاع فنان المنمنمة أن يضفي عليها لمسات وتفاصيل تميزه عن غيره من الفنون التي سبقته، واستطاع فنان كل عهد إسلامي أن يميز إنتاج مدرسته عن مدارس الفن الإسلامي الأخرى، وطور عليها بما يتلاءم مع حاجاته. اليوم ونحن نعيش في عصر السرعة والانفتاح على العالم وتزاحم الأفكار وتعدد الصور والمرجعيات الفنية نحتاج فيه أكثر إلى التنوع والتميز ضمن الوحدة.

Dr_fatima_Alreda