أحمد الحلبي

بعد أن صدر الأمر الإلهي للخليل إبراهيم عليه السلام، بدعوة الناس للحج بقوله تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، أصبحت مكة المكرمة أشرف البقاع وأطهرها، وخير البلاد وأكرمها، مقصدا لكل مَن لبى النداء، فأصبحت تهفو إليها القلوب، وتتوجه نحوها الأبصار لأن فيها بيت الله الحرام، أول بيت وضع للناس، وجعله الله مثابة للناس وأمنا، وفي كلَّ عام يقصد ملايين الحجاج مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، الذي يمثل الركن الخامس من أركان الإسلام.

وينتظر أبناء مكة المكرمة إطلالة موسم الحج وقدوم الحجيج بشوق، ففيه تبرز شجاعتهم في العمل وقدرتهم على تحمل المشاق، حريصين على تعليم صغارهم كيفية التعامل مع الحجاج وإكرامهم وتقديم الخدمات لهم، ويعتبر أبناء مكة المكرمة خدمة الحجاج واجبا يؤدونه، وشرفا يعتزون به.

وبعد عامين مؤلمين عاشهما أبناء أم القرى فاقدين للحجاج القادمين من خارج المملكة نتيجة لجائحة كورونا، عادت لهم الفرحة مجددا بإطلالة موسم حج هذا العام وعودة قوافل الحجيج، فوضعوا خططهم وبرامجهم ليتمكن الحجيج من أداء نسكهم بيسر وسهولة، والعودة لأوطانهم حاملين أجمل الذكريات عن رحلة العمر.

والمتجول في شوارع مكة المكرمة هذه الأيام يلحظ ملامح الحج وخدمات الحجاج في بروز مراكز خدمات الحجاج التابعة لشركات الطوافة، والحركة النشطة التي تشهدها القطاعات العاملة في مجال خدمات الحجاج بدءا من وزارة الحج والعمرة، التي كثفت اجتماعاتها وأنهت خططها وبرامجها الأولية، مرورا بالقطاعات الأمنية، والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وشركات الطوافة وشركة الزمازمة، التي حرصت من جانبها على إعداد وتأهيل كوادرها البشرية، وهذا ما رأيناه بارزا قبل أيام بدورة (ترحاب)، التي نظمتها وزارة الحج والعمرة لموظفي الصفوف الأولى بشركات الطوافة، لضمان وصول الخدمات للحجاج بشكل جيد.

وإن كان العاملون في مجال خدمات الحج والحجاج قد وضعوا استعداداتهم وجندوا إمكاناتهم، فإن لأهالي مكة المكرمة الآخرين أدوارا لا تنكر، ومواقف تذكر فتشكر في خدمة الحجاج، وهذا ما نراه بالمناطق التي يسكنها الحجاج، حيث يعمد العمد وسكان الحي وشبابه بتقديم الماء البارد والعصائر والشاهي والوجبات الغذائية مجانا للحجاج أثناء مرورهم.

ولعنا نتحدث عن أهالي مكة المكرمة وحرصهم على خدمة الحجاج نتذكر ما كانت تقوم به النساء في السابق من دور بارز في حث الأبناء والأزواج على خدمة الحجاج في المشاعر المقدسة (عرفات ـ مزدلفة ـ منى)، وعدم البقاء في مكة المكرمة، وكانت لهن أهزوجة يرددنها تحمل التأنيب لمَن لا يخدم الحجاج ويبقى في مكة المكرمة، فكن يقلن «يا قيسنا... يا قيس... الناس حجوا وأنت قاعد ليش؟، يا قيس يا قيس.. قوم أذبح التيس»، وفي هذه الكلمات تأنيب لا يعرف معناه إلا أبناء مكة المكرمة.

وما زال أبناء مكة المكرمة ملتزمون بعاداتهم السابقة في استقبال الحجاج والترحيب بهم في منازلهم، مما يجعل الكل يردد:

أهل مكة

أهل الجود

أهل الكرم والعزة

يأفل يأكادي يأكمل

يا أهل الأدب والذوق وعشت وبقيت ومجمل

يا أهل الطيبة والرقة والهرج المتبتب الدقة

@ashalabi1380