د. أحمد الألمعي

من تابع منكم وقائع أشهر محاكمة قانونية أمريكية مؤخرا، لم تخب آماله، فالمحاكمة كانت ترفيهية من الدرجة الأولى، شخصياتها هم أعضاء الفريق القانوني للطرفين والشهود بالإضافة إلى النجمين. فالجلسات حفلت بالكثير من المفاجآت والإثارة بما في ذلك نشر الغسيل الوسخ عن تفاصيل الحياة الزوجية من قبل أطراف الدعوى نجمي هوليوود الشهيرين امبر هيرد وجوني ديب، وهي بالتأكيد مادة دسمة لأفلام هوليوود المستقبلية.

بالنسبة لي كطبيب نفسي ممارس لأكثر من ثلاثين عاما، كانت متابعة الوقائع مراجعة عملية لأعراض وسلوكيات اضطراب نفسي من خلال وسائل الإعلام. فبالإضافة إلى كونها مادة ترفيهية مسلية ومقززة في بعض الأحيان، كانت تفاصيل المحاكمة سردا لأعراض اضطراب الشخصية الحدية الذي عانت منه الممثلة امبر هيرد وظهرت وقائعه جلية في الفيديوهات المعروضة وشهادات الشهود بما في ذلك شهادة الأخصائية النفسية الدكتورة شانون كوري التي لم تدع مجالا للشك برغم محاولات فريق امبر هيرد القانوني أن يقلل من شأن شهادتها والطعن فيها كما كان متوقعا.

امبر هيرد حاولت استغلال أنوثتها وجمالها وشهرتها لكي تظهر بمظهر الضحية، ومثلت مشاهد درامية أثناء استجوابها من قبل المحامين ولكنها فشلت فشلا ذريعا في هذ الدور الذي ربما كان الأسوأ في حياتها المهنية والدليل على ذلك هو القرار الذي توصل إليه المحلفون وإلزام امبر هيرد بدفع تعويضات بمبلغ 15 مليون دولار لزوجها السابق عن الأضرار التي سببتها له وسوء المعاملة. فقد تناول المختصون النفسيون والسلوكيون من خارج المحاكمة بكثير من التفاصيل تعابير وجهها المصطنعة التي كانت لا تتناسب مع سردها للوقائع. فقد كانت تبالغ بشكل واضح، وخلال بكائها المصطنع برغم محاولاتها لذرف دموع التماسيح، كما خانتها الذاكرة في بعض الأحيان عند إعادة سرد الوقائع فكانت متضاربة ولجأت إلى تجنب الدقة وادعاء نسيان الوقائع عند مواجهتها بالحقائق من قبل المحامية المحترفة كاميل فاسكيز، كما ناورت وراوغت بشكل واضح ومخجل في ردات فعل تلقائية عززت الانطباع بكونها تمارس الكذب بشكل متكرر وهو أحد السلوكيات التي يلجأ لها من يعانون من اضطراب الشخصية الحدية. وكما تابعنا كثيرا من التفاصيل الأخرى التي شملت الخيانة الزوجية المتكررة، فمن يعاني من أعراض الشخصية الحدية عادة ما يعانون من صعوبات في العلاقات الأسرية والاجتماعية بسبب عدم قدرتهم على الارتباط بعلاقات أسرية واجتماعية طويلة الأمد. فعادة ما ينتهي الزواج بالطلاق بسبب الخيانة الزوجية والانفعالات التي تكون مصحوبة بالعنف اللفظي والجسدي كما تابعنا بسبب الإحساس بأن الطرف الآخر لا يهتم أو على وشك أن ينهي العلاقة الرومانسية برغم أن العلاقة في بدايتها تكون عادة قوية وجياشة بالعاطفة ولكن لا تلبث أن تتغير بعد فترة قصيرة وتنقلب إلى عداء شديد، فالحل الوسط ليس ضمن قدرات هؤلاء الأشخاص، كما أن العلاقات الاجتماعية تكون صعبة بسبب تقلب المزاج والشك في الآخرين. هناك أبحاث علمية نشرت في القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية أشارت إلى أن ما نسبته 90 % ممن يعانون من اضطراب الشخصية الحدية من الفتيات عانين من الإساءة الجسدية والجنسية في مراحل مبكرة من حياتهن، وهذا قد يفسر أن العلاقات الاجتماعية للمصابين بالشخصية الحدية قد تتخللها ايماءات جنسية وسلوكيات إغراء تجاه الطرف الآخر تنشأ عنها علاقات محرمة وغير مقبولة اجتماعيا حتى بالمقاييس الغربية، ثم لا تلبث أن تنقلب العلاقة إلى عداء شديد وربما دعاوى قانونية وفضائح أخلاقية كما رأينا في المحاكمه الشهيرة.

وهذ يقودني إلى سؤال عن وجود اضطرابات الشخصية في المجتمعات العربية والجواب هو نعم. فمجتمعاتنا العربية ليست مستثناة من الأمراض النفسية وخاصة اضطرابات الشخصية التي تنتشر في بعض المجتمعات المغلقة والتي تعاني من التطرف الديني والاجتماعي ويتجنب أفرادها العلاج النفسي بسبب الوصمة الاجتماعية. نشر الوعي بخصوص اضطرابات الشخصية التي تهدد الكثير من العلاقات الأسرية والاجتماعية مهم والعلاج متوافر وفعال.

@almaiahmad2